قضايا ودراسات

الجناية والجريمة

د. عارف الشيخ

الجناية والجريمة تشتركان لغة في المعنى الذي هو الذنب، لكنهما تختلفان في اصطلاح الفقهاء، فالجناية في الشرع اسم لفعل محرّم سواء حلَّ بمال أو نفس كما يقول الحصكفي من الأحناف (انظر حاشية ابن عابدين ج 5 ص 335).
ويفرق غيره بين الجناية والجريمة بالقول: «الجناية اسم لكل ما حلَّ بنفس وأطراف، وما حلَّ بمال يطلق عليه اسم الغصب والسرقة. والجناية اسم يشمل إحداثات البهائم أيضاً، وكذلك كل فعل ثبتت حرمته بسبب الإحرام أو الحرم». (انظر البدائع ج 7 ص 233).
أما الماوردي فقد عرَّف الجريمة بأنها «محظورات شرعية زجر الله تعالى عنها بحدٍّ أو تعزير». وبهذا التعريف صارت الجناية أخص والجريمة أعم (انظر الأحكام السلطانية ص 192).
وبهذا التعريف يتفق الماوردي مع الجرجاني الذي قال: «الجناية كل فعل محظور يتضمن ضرراً على النفس أو غيرها». (انظر التعريفات للجرجاني. مادة جناية).
وعقوبة الجناية تختلف، فمرة تكون العقوبة قصاصاً، ومرة تكون دية فقط أو أرشاً أو حكومة عدل أو ضماناً، وربما كانت العقوبة كفارة أو حرماناً من الميراث.
وبناء على ذلك فإن الفقهاء قسموا الجناية إلى قتل وإصابة لا تزهق الروح وجناية على ما هو نفس من وجه دون وجه.
فالأول والثاني إصابة دون قتل، والثالث ما يشبه ذلك كالجناية على الجنين.
والقتل عند الفقهاء ينقسم إلى أقسام: عمد وشبه عمد وخطأ وهذا عند جمهور الفقهاء.
أما الأحناف فقالوا: عمد وشبه عمد وخطأ وما أجري مجرى الخطأ والقتل بسبب.
فالقتل العمد عند جمهور الفقهاء هو الضرب بمحدَّد أو غير محدد، والمحدَّد ما يقطع ويدخل في البدن كالسيف والسكين مثلاً.
وغير المحدد ما يغلب على الظن حصول الزهوق به كالحجر الكبير.
أما أبو حنيفة فقال: القتل العمد هو أن يتعمد ضرب المقتول في أي موضع من جسده بآلة تفرق الأجزاء كالسيف والنار مثلاً.
فيلاحظ أن الجمهور لم يشترطوا وجود القصد أو التعمد بل مجرد استخدام ما يؤدي إلى القتل عدوه قتلاً عمداً.
أما أبو حنيفة فاشترط القصد والتعمد ومباشرة الآلة الموجبة للقتل، أما القتل بمثقل كالحجر الكبير مثلاً فلا يعدّه قتلاً عمداً (انظر حاشية ابن عابدين ج5 ص 339، وانظر القوانين الفقهية ص 339 وروضة الطالبين ج 9 ص 123- 124 وانظر المغني ج 7 ص 639).
والقتل شبه العمد هو الضرب بما لا يقتل غالباً كالضرب بالعصا ولا فرق عندهم بين أن يقصد أو لا يقصد.
لكن أبا حنيفة قال: «القتل شبه العمد هو أن يتعمد الضرب بما لا يفرق الأجزاء كالحجر والعصا).
والمالكية لا يقولون بشبه العمد على المشهور.
والقتل الخطأ هو باتفاق الفقهاء ألاّ يقصد الضرب ولا القتل كأن يرمي صيداً فيصيب إنساناً.
والقتل بالسبب عند الأحناف هو أن يموت إنسان بسبب وقوعه في بئر حفرها شخص في مكان عام، وبما أنه كان سبباً فإن دية تفرض على العاقلة (العصبة).

زر الذهاب إلى الأعلى