قضايا ودراسات

الحقيقة النقية

صفية الشحي

يقول جي. هوريس راند: «ليس للحقيقة يسعى الرجال، وإنما لما يطيب تصديقه؛ ذلك لأنهم يتجاوزونها في مسيرهم الطويل في طرقات هذه الحياة إلى ما يرغبون دائماً، كما أنه لا حقيقة نقية على السطح، وإنما في عمق التجربة الإنسانية، التي لا طريق مختصر يؤدي إليها».
إن رحلتنا نحن – الإماراتيين – لم تخلُ من تعب رافق عمليات مؤلمة للتحول من البحث الدؤوب عما يسد الرمق ويستر الجسد، إلى مشاريع ورؤى تجاوزنا بها بناء الحديد والصلب بمراحل، حين وضعنا البشر قبل الحجر؛ لتكون الإمارات اليوم قبلة الأنظار وجاذبة الأفئدة.
كان الهدف دائماً أن تكتمل الصورة بإنسانية تتوافق ورسالة قادتنا السامية، ولو زارنا القاصي والداني كل يوم – وهم يفعلون – لوجدوا عندنا حقيقة واحدة نعلمها جميعاً، ونبحث عنها في الكلمة الصادقة، وتشهد علينا محافل عظيمة الأثر كمعرض الشارقة للكتاب، على سبيل المثال لا الحصر، فهذا المناخ المتجدد بمثقفيه وحواراته وأنشطته التي ترضي الأذواق على اختلافها، يمكن أن نقيس من خلاله التأثير الذي أحدثه إصرارنا عبر العقود الماضية على حمل كلمتنا الصادقة، كحمامة حب وسلام لأشقائنا في الإنسانية قبل كل شيء.
لقد التقيت، أثناء زياراتي المتكررة للمعرض في نسخته الجديدة، أشخاصاً من الصين البعيدة، فكان أجمل ما وجدت هو إتقانهم للغة العربية فصاحة ونحواً، ومن ثم يممت شطر جناح اليابان، فوجدت الترحاب والسعادة بمشاركتهم، فأثار عندي ذلك تساؤلات عديدة، فإن كنا نحن العرب نمد جسور الود لعمالقة الشرق، ونتوج التجربة برحلة التعليم والتعلم والممارسة في تخصصات شتى، فهل يفعلون هم المثل؟
كما أننا نفتح أعيننا على اتساع الدهشة عندما نتابع مقاطع فيديو حول أسلوب حياتهم وصرامة قوانينهم، ولكن هل نفعل المثل عندما نقرأ آدابهم وشعرهم ونتابع فنهم؟
ثم ما الذي يصلنا حقاً من كل ذلك، وهل يصلنا من المنبع أم عبر وسيط ثالث بات هو المهيمن على قراراتنا الثقافية والمعرفية كأفراد؟، هل كنا سنعرف أدباء الشرق، ونستمتع بتجربتهم، قبل أن يفتح لنا الغرب بوابة لا يمر منها إلا القليل في شكل الأكثر مبيعاً؟ هل صدقنا أننا عرفنا الشرق حق المعرفة أم قبلنا بما طاب لنا معرفته؟
تساؤلاتي قد لا تجد إجابة قاطعة، لكن ما أوقن به هو أننا بحاجة إلى تجربة خاصة بنا مع هذا الكنز الشرقي، نخضع فيها خياراتنا الثقافية لذائقتنا العربية الشرقية قبل العالمية، لا لشيء وإنما لنحقق اكتشافاتنا الخاصة في تلك الأرض الخصبة، دون أن ننسى أن كشفنا الخاص يتطلب منا مشروعاً استكشافياً قوامه الترجمة والنشر والكتابة، بقيادة فرق مدفوعة بالشغف للغوص إلى عمق التجربة الشرقية؛ حيث تنتظرهم حقيقة نقية لم تمس.

Safia.alshehi@gmail.com

زر الذهاب إلى الأعلى