قضايا ودراسات

الرّماد وفينيق الفن

عبداللطيف الزبيدي

كيف نفهم ظاهرة هبوط الفن العربي؟ مأساة أن يتوهم الناس أن السؤال مألوف والجواب معروف. من العسير إقناع الناس بأن الوسط الفنيّ ليس المسؤول عن الإسفاف. حين يسمع أحد منك مثل هذا الكلام، يرميك فوراً بالجنون قائلاً: من المسؤول، الطبيب والإسكافي والمهندس والخبّاز؟
لنأخذ الموسيقى مثلاً: الآلات لم تنقص أو تزد. العازفون يحصيهم الحاسوب. المقامات لم تتبخّر. الوسائط متعددة أكثر من أيّ زمن مضى. سالقو بيض الكلمات، ومدّعو التلحين، لا يحصرهم حاصر، ولكن الذوق ما له من ناصر. فما العلّة ؟ هل نضبت ينابيع المواهب أم توارت حوريّات الإلهام؟ لنأخذ الشعر مثالاً: من رام الموزون المقفى، فالبحور والأوزان لم تتغيّر، ومن أراد التحرّر من العموديّ والإبقاء على التفعيلات، فلم يصدر قانون يحول دون مرامه، ومن طلب قصيدة النثر، فهي عدد ذرّات الغبار. لكن، أين الشعر والشعراء، الذين يرتدون هالات الأنوار فلا يقال«شو عراء»؟ دور النشر لا تنفك عن تفريخ ذباب المجموعات التي تنتحل شخصية الشعر. الأغاني أيضاً مسكينة، باتت أضيع من الأيتام، عند غياب مأدبة الكرام. قس على ذلك المسلسلات. ما معنى شح النصوص في خريطة عليها أربعمئة مليون آدميّ؟ هذا الفن بلغ الذرى تطوّراً لدى الشعوب مشرقاً ومغرباً، فما باله كديك نتفوا ريشه فأضحى أضحوكة؟
القضية غير هذا تماماً، لهذا يذهب التسطيح إلى أن الماضي أفضل. كلا، علّة الجدب الثقافيّ هي أن العناصر التي تجعل تربة الفن خصبة، اختفت، وكلها عوامل معنوية روحيّة. خشب العود والكمان وقصب الناي ومعدن النحاسيات ليست هي الموسيقى، ولا البدل والفساتين والأضواء والعلاقات العامّة. الشعر ليس في الأقلام والأوراق ولوحات المفاتيح والمنابر. الداء الذي أصاب الفن في مقتل، هو أنه فقد روحه، كما فقد العربي طموحه. كيف يعبّر الفن عن العظمة والأمّة تتداعى أركانها وقيمها تستباح، وصروحها المادية والمعنوية منهارة خرائب، وهي شريدة طريدة لأن أعداء تنميتها ومحطمي أحلامها هم الذين وعدوها ببناء غدها؟
لزوم ما يلزم: النتيجة التفاؤلية: الروح لا تموت، فلا بد من ظهور فينيق الفن.

abuzzabaed@gmail.com

زر الذهاب إلى الأعلى