مقالات ادارية

بنك المهارات الوطني

د. محمد النغيمش

عاصرت حروباً عدة في المنطقة وثورات وأزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية، فوجدت أن في حقبة معينة تتطلب الدولة مرجعاً سريعاً لمواهب أو مهارات شعبها لاستغلالها عند الأزمات. والأزمة لا تقتصر على عدوان خارجي، ففي بعض الأحيان تتطلب الأزمة الداخلية أو الكارثة الطبيعية تضافر كل الجهود والمهارات لتسيير دفة مرفق معين.

في الكويت مثلاً لدينا الحرس الوطني، فهو مستعد ومدرب تدريباً جيداً للتعامل مع شتى الأزمات وفِي تخصصات خارج إطار المجال العسكري، كتسيير عمل محطات الكهرباء والماء والمرافق الحساسة حتى تعبر البلاد أي أزمة تعترضها.

حتى في حالة الاستقرار السياسي تحتاج البلدان العربية إلى بنك المهارات الوطني، وهي شبكة معلومات لكافة التخصصات والمهارات في التعليم والهندسة والحدادة والنجارة والإعلام والنفط والعمل الإنساني والإغاثي وغيرها، على أن تحدث بيانات الشعب وهواتفهم دورياً تحسباً لأي حاجة طارئة أو لأي مشروع وطني يرغب الناس للتطوع فيه أو تقاضي مقابل مادي لقاءه.

كل القطاعات الخاصة والعامة وغير الربحية الفاعلة تقوم في الأساس على مهارات العاملين فيها. وإذا ما لقيت تلك المهارات قيادة حكيمة ورؤية ثاقبة نقلت الجميع إلى مراتب عليا من العمل المنظم والمنتج.

ولذا تزايد الاهتمام الدولي بمهارات الشعوب بعد تنامي حجم القطاعات وتنوع مشاربها. وهذا ما دفع الحكومة البريطانية للإعلان عن التزامها بأن تصبح «رائدة العالم في المهارات بحلول عام 2020»، وذلك بأن تقارن نتائج مهارات سكانها بمهارات من جاءوا على رأس تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD). وهي منظمة اقتصادية دولية كبرى تعنى بإيجاد فرص وظيفية وتوفير الدعم اللازم لمشاريع التنمية المستدامة وتركز على المهارات لأنها تسهل إيجاد فرص عمل جيدة. وتكمن أهمية المهارات في أنها أداة يمكن أن نفرق بها بين فرد وآخر، وبين مؤسسة وأخرى، وذلك بنوعية الكفاءات التي تمتلكها. وما الكفاءة سوى مجموعة من المهارات يتحلى بها الفرد فتميزه عمّن سواه.

وهذا ما يبرر صرف ملايين الدولارات من قبل الأندية الرياضية وحتى الشركات لاستقطاب أفضل الكفاءات إلى فرقها. فالكفاءات لا تسرع ببلوغ الأهداف المرجوة فحسب، بل تسهم في نقل خبراتها للصف الثاني بفضل الاحتكاك.

وحتى على مستوى فريق العمل الصغير يخفق أعضاؤه في مهمتهم إذا ما افتقروا للمهارات اللازمة. وهو السبب نفسه الذي يدفع نظراءهم إلى التفوق عليهم في المهمة نفسها. وهذا ما يجعل ركوب مركبة فضائية حلماً لا يناله سوى أصحاب الجلد والمهارات العالية.

من هنا سررت عندما قرأت عن اعتماد مجلس الوزراء الإماراتي برئاسة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم لاستراتيجية البرنامج الوطني للمهارات المتقدمة، لجعل دولة الإمارات رائدة عالمياً في تعزيز المهارات المتقدمة.

إذ تسعى البلاد نحو تطوير منظومة متكاملة توظف المهارات المستقبلية في المجالات الحيوية للدولة. وليت سائر الأقطار العربية تحذو حذوها في تطوير المهارات الحالية لاحتياجات المستقبل، أو على أقل تقدير إطلاق بنك المهارات الوطني كقاعدة بيانات تستند إليها البلاد وقت الحاجة وفق آلية تحفظ خصوصية الأفراد وبياناتهم.

زر الذهاب إلى الأعلى