قضايا ودراسات

سيف المقاطعة والرد الأمثل

علي قباجه

«السيف أصدق أنباء من الكتب»، كلمات غرد بها «أبو تمام» على مواقع العزة والإباء، مُلخصاً فيها أن الحقوق لا تُسترد إلا بالقوة؛ في ظل ظروف سرى في أرجائها قانون الغاب، مخرساً كل منجم ومثبط يمتهن الذل عملاً، والخنوع منهج حياة، لتعبر كلماته جدار الزمن، وتحط رحالها بيننا؛ فيكون الحاضر امتداداً لتاريخنا، تتبدل الشخصيات، ويبقى الغزاة على ما هم عليه؛ يمارسون نزعات السطوة على الضعيف، والاعتداء على الأوطان، وسرقة ثرواتها، والاعتداء على ثقافتها، وتجويع أهلها..، والشاهد الحي على ذلك الولايات المتحدة، التي عانت جرّاء تنمرها الكثيرُ من الدول، وخصوصاً العربية، وكانت سبباً في إحداث دمار كبير؛ حيث إنها فتكت بملايين البشر، تارة بالأسلحة النووية، وتارة أخرى بتجويع الشعوب، لتمتد ويلاتها إلى تحطيم أنظمة دون أي وجه حق.
ولأن كل زمان يحتاج لمثل تلك التغريدات، التي تشحذ الهمم؛ لاسترداد الحقوق المسلوبة، ولتحطيم تخرصات المنجمين، وتمزيق سود صحائفهم، الذين لم يتوانوا يوماً عن تثبيط الأمة، وإيهام الأجيال عبر التاريخ، بأن بطش الولايات المتحدة و«إسرائيل» لا يمكن مقاومته، متناسين أن الأمة بها من العقول والمقدرات والإرادة ما يجعل تغول الإدارة الأمريكية وشقيقتها «إسرائيل» يرتد خاسراً حسيراً. والسيف بحده في أيامنا هذه لا يقتصر على القوة العسكرية؛ بل إن ما يملكه العرب والمسلمون من قوة اقتصادية وحضارية، بإمكانه قلب التوازن العالمي رأساً على عقب؛ فثمة قوة اقتصادية عربية كفيلة بتهشيم اقتصاد الإدارة الأمريكية، ودفعها سنوات للوراء؛ رداً على محاربتها للفلسطينيين.
أمريكا تصدر القرارات المجحفة واحداً تلو الآخر، فمرة تعترف بالقدس عاصمة للاحتلال، وتعلن أنها هدية لدولة اليمين المتطرفة، ومرة أخرى تستخدم سوط المساعدات؛ لتقطع دعمها عن وكالة «الأونروا»، ومن ثم عن مستشفيات القدس؛ لتحرم ملايين الفلسطينيين من ترياق يداوي جراحهم النازفة؛ جراء الإجرام «الإسرائيلي»، وليس أخيراً طرد بعثة منظمة التحرير من واشنطن.
القضية الفلسطينية هي بوصلة كل حر، ومن يعاديها فهو بلا شك معادٍ لكل ماهو إنساني وحضاري؛ حيث إنها تحمل الرمزية الإسلامية والمسيحية، ففيها أولى القبلتين وثالث الحرمين، ومهد السيد المسيح، ومهبط الأنبياء، والعدو «الإسرائيلي» ومن خلفه الولايات المتحدة بأعمالهما الاستفزازية لا يتجرؤون على الحاضر وحسب؛ بل يمتد انتقامهما للماضي، وما يحمله من حضارة مرت على هذه الأرض التي فيها كل ما يستحق الحياة؛ لذا لا بد من رادع يلجم ذلك الصلف المتعنت، فمقاطعة الولايات المتحدة هي الطريقة الأنجع من كل بيانات تتلى هنا أو هناك، وأولى من محاولة إقناعها بالعودة عن قراراتها الظالمة.
الإدارة الأمريكية لن تقوى على مواجهة إرادة دول تملك من المقومات ما يفوقها أضعافاً مضاعفة، فالأولى وضع الخطط المناسبة؛ لتحطيم سطوتها، وعدم الاكتفاء ببيانات الشجب، التي لن ترد حقاً، ولن تعيد مجداً.

aliqabajah@gmail.com

زر الذهاب إلى الأعلى