جديد الكتب

صعود «الترامبوية»

تأليف: ديفيد ج. فروم
عرض وترجمة: نضال إبراهيم

كان الكاتب ديفيد فروم يجمع الأكاذيب، والتشويش، والتجاهل الصارخ للقيود التقليدية المفروضة على مكتب الرئاسة الأمريكية لفترة طويلة، وساعدته بشكل خاص فترة عمله في البيت الأبيض ككاتب خطابات لجورج بوش، حيث شهد الطرق التي كانت فيها الرئاسة مقيدة، ليس بموجب القانون، بل بالتقاليد، والأعراف، والاحتجاج العام، لكن كلها ضعفت الآن. يجد في عمله هذا أنه سواء دامت رئاسة ترامب عامين، أو أربعة، أو سبعة أعوام أخرى، فإن طبيعة الرئاسة تغيرت إلى الأسوأ، ومن المرجح أن تظل كذلك لعقود من الزمن.
في كتابه الجديد هذا المقسم إلى اثني عشر فصلاً، الذي يقع في 320 صفحة من القطع المتوسط الصادر عن دار «هاربر» للنشر باللغة الإنجليزية، يوضح فروم أن العمل الشاق للانتعاش في الرئاسة الأمريكية يبدأ من الداخل الأمريكي. ويشير إلى أن «ترامبوكراسي»، أو «الترامبوية» توضح كيف أن ترامب يمكن أن يدفع أمريكا نحو الليبرالية، وعواقب ذلك على الشعب الأمريكي، وشعوب العالم، والتدابير الممكن القيام بها لمنعها.
ولتوضيح عنوان الكتاب، ننطلق من كلمة «الديمقراطية» التي في مناهج التربية المدنية في المدارس تعود بأصلها إلى كلمتين إغريقيتين هما «الناس» و«الحكم». وسمّى هذا الكتاب «ترامبوكراسي» لأنه دراسة الحكم القائم في الولايات المتحدة، وليس دراسة شخصية ترامب. الموضوع هو سلطة الرئيس ترامب: كيف استطاع أن يكسبها؟ كيف استخدمها؟ ولماذا مع ذلك لم تتم مراجعتها بشكل مؤثر؟
يقول الكاتب حول ذلك: «أي رئيس أمريكي ليس زعيم قبيلة، يحكم بالكاريزما الشخصية لديه، أو بقوة مجردة. الرئيس (ربما يوماً ما الرئيسة) يمارس مهامه عبر الأنظمة؛ عبر حزب في الكونجرس والولايات؛ عبر منظمات إعلامية داعمة؛ عبر شبكات سياسية وطنية من المتبرعين والناخبين؛ عبر مئات الطواقم المتضمنة في مصطلح «البيت الأبيض»؛ وعبر آلاف الموظفين القدامى الذين معاً يديرون الفرع التنفيذي».
ويضيف: «كذب ترامب بالطبع بشكل سيئ، بشأن تاريخه الخاص في ما يتعلق بحرب العراق. وكرر فانتازيا بشأن معارضة الحرب بشدة، مضمونها أن الرئيس جورج دبليو بوش أرسل ممثلين له إلى ترامب يناشدونه ليبقى هادئاً. كل هذا كان غير صحيح تماماً. ومع ذلك، لا يهم إذا كان غير صادق حول تاريخه الشخصي، إلا أنه حطم كل التابوهات التي أسكتت الصدق والنزاهة في الآخرين».
كسر القيود

هذا الكتاب هو قصة الذين يمكّنون، ويدعمون، ويتعاونون مع دونالد ترامب. العديد من هؤلاء الناس وجدوا طرقاً للتعبير عن عدم راحتهم الشخصية، وانزعاجهم من ترامب. تلك التعابير يمكن أن تكون على نحو صحيح بدرجة أقل، أو أكثر. ربما تصبح في أحد الأيام مهمة، كما يقول الكاتب. ويضيف أنه «في الوقت الذي يتخلى فيه أنصار ترامب عنه، سيبقى في حالة من العزلة والعجز، وسيصبح سناً ميتاً في لثة الحكومة الأمريكية. ومع تلك الفرصة التي اكتشفها، والخطر الذي قدّمه لن ينتهي مع الحياة المهنية لدونالد ترامب. فنقاط الضعف التي استغلها ترامب سوف تبقى نقاط ضعف قائمة. وكذلك مزّقت القرارات السياسية والاتجاهات الاقتصادية بعمق الولايات المتحدة المعاصرة، إلى جانب ترسيم خطوط الطبقة، والعرق، والدين، والأصل الوطني، والهوية الثقافية. حتى إن الروابط بين الرجال والنساء أصبحت ضعيفة. تلك ليست ادعاءات بلاغية، بل حقائق قابلة للقياس. التنوع يستدعي عدم الثقة، وعدم الثقة المتبادلة بين الأمريكيين كانت المصدر السياسي الأكثر أهمية لدونالد ترامب».
ويضيف الكاتب: «من روسيا إلى جنوب إفريقيا، ومن تركيا إلى الفلبين، ومن فنزويلا إلى المجر، حطم القادة السلطويون القيود المفروضة على قوتهم. وتآكلت حرية وسائل الإعلام والقضاء في ظلهم. صحيح أنه لا يزال الحق في التصويت قائماً، لكن الحق في أن يُحسب صوت واحد بنزاهة لم يعد موجوداً. حتى إنه في الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة عام 2016، أصبح انحدار الديمقراطية العالمي مصدر قلق لشعوب أخرى في أنحاء العالم. هذا التفاؤل الذي يبعث على الرضا عن النفس قوبل بالصعود السياسي لدونالد ترامب».
ويشير الكتاب إلى مكمن الخطورة قائلاً: «الأزمة على الأمريكيين، هنا والآن. بهدوء، وثبات، يدمّر ترامب وإدارته المبادئ والممارسات المقبولة للديمقراطية الأمريكية، وربما بشكل لا رجعة فيه. وبينما هو وعائلته يجمعون الثروة، تقع الرئاسة نفسها في أيدي الجنرالات والممولين الذين يحيطون به».
فشل النظام

يلجأ الكاتب في عمله إلى تسليط الضوء على الناخبين الأمريكيين أكثر من المرشحين؛ على الاتجاهات طويلة المدى، وليس الحوادث الدراماتيكية؛ على اللعبة كما يتم تنفيذها. ويقول: «حتى قبل أن يدفع دونالد ترامب نفسه كمرشح رئاسي كانت السياسة الأمريكية تتجه نحو التطرف واللا استقرار. هيمن ترامب على فرصة سوداء، لكن تلك الفرصة فتحها ووسعها الآخرون له. انتخاب ترامب كان فشل النظام، لكن النظام لم يفشل خارج السماء الزرقاء الصافية.
المؤسسات لا تهتم لنفسها. بل تهتم بالطريقة التي تعمل بها، أو تفشل في خدمة شعب هذه البلاد. «الترامبوية» تركت الأمريكيين في وضع أقل أمناً أمام المخاطر الخارجية».
كما يشير إلى أنه «حتى الآن، خطورة تحدّي ترامب للديمقراطية الأمريكية تبقى موضع جدل وشك. بعض الجمهوريين من ذوي الذهنية التقليدية سوف يشيرون إلى الإحباطات السياسية وصنع القرار الفوضوي لإدارة ترامب بأنه تطمين. كيف يمكنه أن يكون أوتوقراطياً عندما ينفذ أجندته في الكونجرس من دون إتقان؟ لا يمكنه فعل شيء لخمس عشرة دقيقة متواصلة، فضلاً عن إطاحته نظام حكومة دام أكثر من مئتي سنة. الفرضية المنتهية في هذه التطمينات هي أن القادة الوحيدين الذين يجب أن نخشاهم هم أولئك الاستراتيجيون، المنهجيون، والحاذقون، وأن التهديدات الوحيدة التي يجب على الديمقراطية أن تقلق بشأنها هي الهجمات السرية والمفتوحة على شرعيتها. مؤسسو الجمهورية الأمريكية عرفوا ذلك على نحو أفضل. أحد المفكرين السياسيين الذي ترك تأثيراً كبيراً فيهم هو الفيلسوف الفرنسي مونتسكيو الذي حذر من «أن أي مجتمع حر يجب أن تتم حراسته ليس فقط ضد «الجرائم» التي يقوم بها القادة المتنفذون، بل أيضاً ضد الإهمال، والأخطاء، ومسألة إهمال حب الوطن، النماذج الخطيرة، بذور الفساد التي لا تسير في مواجهة القوانين، بل تتملص منها، وهذا الأمر لا يدمر القوانين، بل يضعفها».
ويقول الكتاب أيضاً «بالتالي الآن، الشيء الذي يُخشى منه في رئاسة ترامب ليس الإطاحة الفجة بالدستور، بل الشلل الخفي للحوكمة، ليس المواجهة المفتوحة للقوانين، بل التدمير التراكمي للأعراف وقواعد السلوك، ليس نشر قوة الدولة لتخويف المعارضين، بل إثارة العنف الخاص لجعل المناصرين متطرفين. ترامب لا يعمل وفق استراتيجية، بل وفق الغريزة. مهارته الكبرى تكمن في الكشف عن نقاط ضعف خصومه، ووصفه كل واحد منهم بأنه: «قليل الطاقة»، «صغير»، «فاسد»، «كاذب».
بالطريقة نفسها، يستشعر ترامب فطرياً النقاط الضعيفة في النظام السياسي الأمريكي، وفي الثقافة السياسية الأمريكية. راهن ترامب على أن الأمريكيين شعروا بالامتعاض من اختلافاتهم أكثر من ابتهاجهم بديمقراطيتهم المشتركة. حتى الآن، الرهان نجح.
وعن فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية يعلق: «كسب ترامب الرئاسة بفضل جزء كبير من الناخبين الذين يشعرون بالاشمئزاز من واقع لم يعد ينفعهم، ويقدم لهم شيئاً. كانت التركيبة الأكبر والأكثر إخلاصاً من أولئك الناخبين رجالاً شعروا بالتقليل من قيمتهم في الحياة الاقتصادية، وبعدم الاحترام على المستوى الثقافي. ترامب لم يبقِ على إيمانه بهؤلاء الناخبين، لكنهم أبقوا على إيمانهم به. وبسبب خشية الحزب من فقد الناخبين، يبقى متعلقاً بترامب. العديد من أعضاء حزبه يشجبون أفعاله، لكنهم يبقون الأمر بعيداً عن العامة، حيث يبقون داعمين له أمامهم».

انقسامات داخلية

يرى الكاتب أن الرئيس ترامب وضع الولايات المتحدة في حالة من الفوضى لتعزيز سلطته الشخصية. أقنع الملايين من الأمريكيين بتجاهل المعلومات التي يحتاجونها ك«أخبار كاذبة» من «إعلام فاسد». وسمح للدول الأجنبية والسياسيين المحليين بالعبث بنزاهة الانتخابات الأمريكية لمصلحته. ويطالب بأن يتجاهل الضباط الكبار القانون لأجل الولاء الشخصي له. وركز السلطة في أيادي رجال عسكريين أفضل منه، لكنها ليست في أياد صحيحة لحكومة مدنية. عزل الحلفاء، وأرضى الأعداء، ودفع الأمور نحو الأسوأ بسبب أشياء صغيرة. أثار بقسوة الانقسامات العرقية والطبقية التي مكّنته في المقام الأول. أغنى نفسه في الحكومة بطريقة تثبط همّة كل ضابط نزيه، وتدعو المخادعين لمحاكاته.
يجد الكاتب أن الصحف الأمريكية تشير إلى أن الديمقراطية تموت في الظلام، لكنه يجد أنه سيكون «من الدقة بمكان إذا قلنا إنها تموت عبر درجات. ضاعت الديمقراطية الدستورية، وهي في الحقيقة ضاعت بسبب الممثلين السياسيين الذين انتهكوا قواعدها بالتناوب لتحقيق هدف ملح وفوري. كل واحد منهم ينتهك القاعدة، ثم يأتي التالي ليبرر له، في دورة من الانتقام تنتهي فقط في الإلغاء الرسمي وغير الرسمي للنظام الدستوري».
ويذكر أن الديمقراطية الدستورية تأسست في المقام الأول على الالتزام بقواعد اللعبة. الخاسرون في أي جولة من اللعبة يقبلون بخسارتهم، لأنهم يؤمنون بأن دورهم سيأتي مرة أخرى في القريب، والفائزون يقبلون بالحدود وفق مكاسبهم، لأنهم يتوقعون أنه في المرة القادمة ربما يحققون أرقاماً بين الخاسرين.
ويعلق على ذلك: «منذ سنة 1992، تطورت لعبة السياسة كثيراً إلى شكل من تمارين الذخيرة الحية. ربما توضح نهاية الحرب الباردة القسوة المكثفة للمنافسة، ومنذ 1990 كان اهتمام النخب الأمريكية قليلاً ما يتجه نحو قلاقل الأمن القومي. كما أن التباطؤ في النمو الاقتصادي منذ سنة 2000 وصدمة الأزمة المالية والركود الكبير قد أصابت السياسة أيضاً، عندما يبدو أن هناك القليل المتوفر، يتقاتل الناس بقسوة أكثر على ما بقي».
ويشير إلى أن الإحباطات والأخطاء في السياسة الحكومية منذ 11 سبتمبر/أيلول 2001، عبر حرب العراق، وعبر التعافي الضعيف من الركود الكبير، تحركت كفة ميزان السلطة بسرعة أكبر من جانب إلى آخر، مغرية كل طرف بالاستحواذ على المزيد طالما أنه يستطيع، مدركاً أن الفرصة لن تدوم للأبد.
ويذكر في ختام عمله: «في الوقت الذي يكون الرئيس ترامب قاسياً، جاهلاً، كسولاً خائناً، أنانياً، حاقداً، جشعاً، يترتب علينا أن نكون متسامحين، لطفاء، كرماء، وطنيين، مثابرين، وعلى قدر المسؤولية، ونبلّغ عن الأخطاء. وفي الوقت الذي يكون فيه داعمو ترامب مستهزئين، وغير مبالين، وقاصري النظر، ومتبلدي الذهن، وحاقدين، في المقابل على معارضي ترامب أن يكونوا مثاليين، ومتبصرين، وحكماء، وتوفيقيين، وذوي حساسية أخلاقية عالية. قالت امرأة حكيمة: إنهم ينحدرون نحو الأسفل، ونحن نصعد نحو الأعلى».
ويضيف: «أولئك المواطنون الذين يتخيلون تحدي الاستبداد من داخل مجمعات محصّنة لم يفهموا أبداً كيف يتم تهديد الحرية بشكل فعلي في وضع بيروقراطي حديث؛ ليس بالإملاء أو العنف، لكن من خلال العملية البطيئة المثبّطة من الفساد والتضليل. والطريقة التي يجب الدفاع عنها ليست بسلاح الهواة، بل بإصرار لا يهدأ على الصدق، والنزاهة، ومهنية المؤسسات الأمريكية وأولئك الذين يقودونها.
نحن نعيش أكثر التحديات خطورة للحكومة الحرة للولايات المتحدة الأمريكية التي صادفها أي شخص على قيد الحياة. ما يحدث تالياً يعود إليك. لا تكن خائفاً. هذه اللحظة من الخطر يمكن أن تكون أفضل ساعة لك كمواطن، وكأمريكي».

نبذة عن الكاتب

– ديفيد ج. فروم من مواليد 30 يونيو/ خزيران 1960. معلق سياسي أمريكي كندي. كان كاتب خطابات الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش، وفي وقت لاحق أصبح مؤلف أول كتاب بعنوان «من الداخل» حول رئاسة بوش. وهو محرر رئيسي في «ذا أتلانتيك» ومساهم في «إم إس إن بي سي»، ونائب رئيس وزميل مشارك في معهد آر ستريت. وهو ابن الصحفية الكندية الراحلة باربرا فروم. حاصل من جامعة ييل على درجة البكالوريوس في الآداب والماجستير في التاريخ عام 1982.
وحصل على دكتوراه في القانون من جامعة هارفارد في عام 1987. له العديد من المؤلفات منها: «عودة إلى الوراء: السياسة المحافظة التي يمكن أن تفوز مرة أخرى» (2007)؛ «نهاية الشر: كيف تكسب الحرب على الإرهاب؟» (2004)؛ «الرجل المناسب: الرئاسة المفاجئة لجورج دبليو بوش» (2003)؛ «كيف وصلنا إلى هنا؟ السبعينات: العقد الذي جلب لك الحياة الحديثة – نحو الأفضل أو الأسوأ» (2000)؛ «ما هو اليمين: الأغلبية المحافظة الجديدة وإعادة تشكيل أمريكا» (1997)؛ «سر رأس المال: لماذا تنتصر الرأسمالية في الغرب وتفشل في مكان آخر» (2003).

زر الذهاب إلى الأعلى