مقالات رئيس التحرير

مدراء الأبواب المغلقة

محمد سعيد القبيسي

صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، في إحدى تغريداته على «تويتر» تحدث عن زيارة مفاجئة قام بها لدائرة حكومية، وعند دخوله تعجب من كثرة المديرين خلف الأبواب المغلقة، وأمر في اليوم نفسه بنجار لخلع هذه الأبواب.

ويؤكد سموه أن القائد الحقيقي لا يغلق الباب بينه وبين الناس، ولا يعزل نفسه، ولا بد أن يكون جزءاً من الحياة الحقيقية وهي حياة الميدان. وختم سموه بالقول: «في الميدان تواجه الناس وتسمع منهم وتحفز الموظفين وتعلمهم.. وخلف الأبواب تعلق صور المشاريع القديمة، وفي الميدان تنجز المشاريع الجديدة».

لعلي أذكر هنا المغفور له بإذن الله الوالد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، فقد كان لنا القدوة في التواصل مع المسؤولين والموظفين، فلم يخطط زايد يوماً لأي عمل أو مشروع من تحت سقف، بل كانت كل مخططاته وأعماله في الميدان، حاضراً بشخصه الكريم ليشرف على إنجاز هذه الأعمال والاطمئنان على سيرها حسب الخطة الموضوعة وتغييرها إذا تطلب الأمر، فالوجود الميداني والاطلاع على تفاصيل الأعمال، له الأثر الكبير في إنجاحها وتنفيذها على أكمل وجه.

ونرى الآن صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، يسير على النهج نفسه الذي رسمه زايد، فنجده متابعاً عن كثب لكثير من المشاريع في وطننا الغالي الإمارات، وكذلك الحال مع صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وولي عهد أبوظبي الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، فهم يسجلون جميعاً حضوراً تاماً في شتى الميادين.

إن سياسة الأبواب المغلقة وحجة الانشغال الدائم وعدم مواجهة الموظفين والوجود معهم، هي سياسة الضعفاء، وعدم الثقة في النفس هي التي تجعلهم يتسترون خلف تلك الأبواب المغلقة. فالقائد الحقيقي كما قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، هو من يعيش حياة الميدان بحضوره الدائم مع موظفيه والإشراف على الأعمال، والتيقن من أن الإدارة هي إدارة البشر والقدرة على التعامل معهم.

وليست إدارة الطاولات، فالبشر هم أساس التكوين الإداري والمحرك الرئيسي للعملية الإدارية، وكما يقولون «الشاطر» هو من يعرف كيف يتعامل مع البشر ليوصلوه إلى الأهداف المرجوة، أما من لا يتقن هذا الفن فلن يجد غير فن الأبواب المغلقة ليتستر خلفها.

لقد كانت لي زيارة مؤخراً إلى وزارة العمل، وأعجبت بالطريقة التي تم عليها بناء مكاتب المسؤولين فيها، فلقد كانت جميع المكاتب من الزجاج الشفاف الذي ترى من خلاله من الجالس خلف المكتب، ولم تكن للمديرين فقط بل لجميع الموظفين. والعجيب في الأمر أن غرفة الاجتماعات كانت من الزجاج الشفاف أيضاً، مما يعني أن الشفافية في بيئة العمل ليست مجرد كلمة تتردد فقط، بل إنها واقع ملموس.

أحد الأصدقاء سرد لي قصة عن مسؤول جديد تم تعيينه لديهم، ولم يروه ولم يقابل أحداً لأسابيع، بحجة كثرة انشغاله بالأعمال.. وبحسب ما قرأت في بعض الكتب والمقالات الإدارية، فإن هذه النوعية من المسؤولين ليست لديها الشخصية القيادية والقدرة على المواجهة ومقابلة الموظفين، وتفضل العمل من وراء الأبواب المغلقة، معتمدين على وسيلة البريد الإلكتروني والوسائل الأخرى في التواصل مع الموظفين.

لا أريد أن أدخل في تفاصيل أكثر عن هذه الأمور، ولكني أود أن أقول إن وقتنا الحالي اختلف كثيراً عما كان عليه قبل سنوات، فالموظفون اليوم على مستوى عالٍ من التعليم والكفاءة، والتعامل معهم وإدارتهم لا بد أن تكون من شخص لديه القدرة على ذلك.

ومعرفة كيفية استغلال هذه الموارد في مصلحة العمل وضمان الوصول إلى الأهداف، واختيار مثل هذه القيادات لا بد أن يأتي عبر قنوات الاختيار الصحيحة، حيث يوجد الآن الكثير من الجهات المختصة والمعتمدة دولياً، والتي تقوم بعملية اختبار للمتقدمين للوظائف، حيث توضع الاختبارات والمقابلات الشخصية على حسب متطلبات الوظيفة المراد شغلها، ويتم في النهاية اختيار الأقرب والمناسب لها، تماشياً مع مبدأ «الرجل المناسب في المكان المناسب».

زر الذهاب إلى الأعلى