مقالات عامة

أخلاقيات البحث العلمي

عبد اللطيف الزبيدي

هل يمكن أن نختبر القيم الأخلاقية بأدوات القيم التي يتحلى بها البحث العلمي؟ مقارنة مفخخة بالسخرية الكامنة في طبيعة الأشياء، التي تجعل الظاهر العلني، غير الباطن المخبوء. القارئ حرّ في التطبيق على السياسة، الاجتماع، الثقافة. القلم يهدي إليه القبعة وهو يضعها على رأس من شاء.
من أعرق الصفات التي يفخر الناس بها، الشجاعة. المتنبي يلوح غريباً حين يقدم الرأي عليها: «الرأي قبل شجاعة الشجعان». إذا تأملنا التاريخ العربيّ إلى يومنا هذا، أدركنا بيقين أن ميراث عقليتنا لم يكن حليف الرأي والتخطيط الاستراتيجي. في هذه الذهنية يبدو اللجوء إلى الحسابات الدقيقة جبناً، لهذا يجب أن يشهر عنترة السيف أوّلاً، مهما تكن النتائج. هنا نرى سخرية التناقض، حين تفرّ الشجاعة وتُولّي الأدبار أمام ما يقتضيه البحث العلميّ من إقدام ونخوة ومروءة وشهامة ونزاهة وغيرها من «الخلائق الزّهر». البحث العلميّ يتطلب الشجاعة في نقد الفكر ووقائع التاريخ، وتقويم الخطط الاقتصادية والتنموية، وتحليل الأداء السياسي، ودراسة جدوى المناهج التعليمية. السخرية الأنكى، هي أن الشجاعة عندما لا تقبل بشروط البحث العلمي، تنتهي إلى أكل نفسها. تماماً مثل الجسم الذي ينقطع عنه الغذاء، فيستنفد ما لديه من طاقة، مخزنة في الدهون وأخيراً في البروتينات. من هذه الزاوية يمكن النظر إلى التخلف على أنه انعدام الشجاعة أمام تحديات التنمية. بالتالي نجد أن الغطرسة الاستبدادية، مع كل أدوات القوة القمعية التي في حوزتها، إنما هي جبانة جداً في الاضطلاع بمسؤولياتها، فهي العدو الألد للحقيقة.
بهذه البساطة، نستنتج المفارقة الساخرة المتمثلة في التناقض الأخلاقي في الشخصية والعقلية. معنى ذلك أن انعدام المعايير العلمية، كالشفافية وحرية العقول في البحث والتحقيق والتدقيق، والمتابعة والمحاسبة، واستقلال القضاء والعدالة الاجتماعية، ليس سوى انهيار للقيم الأخلاقية، لأن البحث العلمي هو الكفيل بفحص مدى قدرة الوسائل على بلوغ الغايات المنشودة. هذا المنهج أصدق ما يكون حين نطبّقه على السياسة الدولية ودور القوى العظمى المتجبرة في هدم الموازين الأخلاقية والقيم الإنسانية. هذه هي السخرية الفاقعة الكبرى، فالذين يدافعون عن المثل العليا، بادعاء التحرير ونشر الديمقراطية، هم يبحثون ليل نهار عن أدنى فرصة يختلقونها لهدم القيم. صحيح أن السياسة دوافعها وسلوكياتها خاضعة في العمق للغرائز، فانتهاجها ضوابط القيم نسبي، لكن تلك النسبية هي ما يميز الآدمي العاقل، الذي يريد أن يكون إنساناً.
لزوم ما يلزم: النتيجة الفكرية: تعميم منهجية البحث العلمي على كل الميادين، هو تعميم للقيم الأخلاقية.

abuzzabaed@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى