قضايا ودراسات

أردوغان يستغيث بترامب!

محمد نورالدين

كان مفاجئاً بعض الشيء فشل «قمة طهران» في الأسبوع الفائت بين رؤساء روسيا وتركيا وإيران.
فالقمة أعلن عنها قبل حوالي الشهر من انعقادها؛ وهي مدة طويلة نسبياً؛ لكي تتوصل الأطراف إلى حلول للمشكلة، التي انعقدت من أجلها؛ أي مستقبل محافظة إدلب.
فشل القمة يعني أن المشكلات كبيرة ومعقدة، وتتجاوز حتى مجرد العمل على إنهاء وجود التنظيمات المتطرفة هناك.
أظهرت القمة، التي نُقِلَ جانب كبير من نقاشاتها على الهواء مباشرة، دون علم الرئيس الروسي بوتين والرئيس التركي أردوغان، أن هناك تبايناً كبيراً بين أردوغان من جهة، وبوتين والرئيس الإيراني حسن روحاني من جهة أخرى.
أظهرت القمة، أن أردوغان يتكلم باسم جميع التنظيمات المسلحة المتواجدة في إدلب، بما فيها المصنفة إرهابية؛ مثل: «النصرة» و«داعش». وقد اقترح أردوغان أكثر من مرة وقفاً للنار؛ لكن بوتين قال: «إن الإرهابيين كما جيش النظام ليسوا هنا ليتفقوا على وقف النار». موقف أردوغان شكل إحراجاً كبيراً له أمام الرأي العام، ولاسيما الغربي. وهو يؤكد أن تركيا هي الممسكة بكل شاردة وواردة في كل محافظة إدلب، حتى الطائرات من دون طيار، التي كانت تضرب قاعدة روسيا في حميميم من وقت لآخر، كانت تنطلق من إدلب، بما يشكل اعتداء تركياً على روسيا، ومن هنا امتعض بوتين من موقف أردوغان. أما الرئيس روحاني، فقد حاول أن يقيم جسر اتصال بين أنقرة ودمشق دون نجاح.
رفض أردوغان الاتفاق على حل عسكري يقضي بضرب جبهتي «النصرة» و«داعش» مع تحييد للتنظيمات، التي تصفها أنقرة وموسكو ب«المعتدلة». والرفض التركي جاء على خلفية أن تركيا تريد الاتفاق مسبقاً على وضع إدلب؛ بعد تحريرها من جميع النواحي العسكرية والأمنية والإدارية والمالية.
تولي أنقرة لإدلب أهمية كبيرة؛ كونها آخر المعارك الكبرى في حال حصلت، بينها وبين قوات النظام، وهي لا تريد تمكين النظام من تحقيق انتصار مشابه لما حصل في حلب والغوطة ودير الزور ودرعا وغيرها؛ فإدلب تقع على الحدود التركية المباشرة، وأنقرة تريد لإدلب أن تنضم إلى جرابلس وعفرين في طبيعة النظام، الذي سيحكم إدارتها وأمنها؛ بحيث تكون المنطقة الممتدة من جرابلس إلى حدود إدلب الجنوبية داخل سوريا منطقة نفوذ لها إما مباشرة أو عبر القوى، التي تصفها بالمعتدلة، وتمنع النظام بالتالي أن تكون له السيطرة خصوصاً على حدود إدلب مع الإسكندرون.
وتنقل صحيفة «حرييت» الموالية للنظام التركي، أن أردوغان اقترح على بوتين وروحاني، انسحاب «جبهة النصرة» و«داعش» إلى مناطق عفرين وجرابلس، وإحلال مسلحين تابعين للتنظيمات، التي تعدها تركيا معتدلة مكانهما؛ بحيث تكون أولى أولويات تركيا منع تواجد الجيش السوري في منطقة إدلب. وما لم تحصل تركيا على مثل هذه المطالب من روسيا وإيران، فلن توافق على عملية عسكرية منسقة معهما ضد إدلب؛ وهذا بالطبع قد يضعها في مواجهة مباشرة مع مثلث (موسكو- طهران – دمشق) في أية عملية عسكرية هناك، وهو ما له وعليه الكثير من التداعيات، التي يحسب لها كل الحساب من قبل كافة الأطراف. تمضي تركيا الآن في سباق مع الوقت؛ لمنع انفجار الوضع في إدلب، الذي مهما فعلت تركيا لن يكون في النهاية لمصلحتها.
والمفارقة أن أردوغان، الذي دخل في سجال حاد مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الآونة الأخيرة؛ بسبب القس الأمريكي المعتقل أندريه برانسون لم يجد سوى في ترامب والولايات المتحدة ملاذاً لمثل هذا الاستنجاد.
ففي مطلع الأسبوع الجاري، وعلى مقربة من البيت الأبيض؛ لكي تصل الكلمة بصورة أقوى، نشر أردوغان مقالة في «وول ستريت جورنال» بعنوان «على العالم أن يوقف الأسد».
جاءت المقالة رداً؛ بل جاءت تهديداً لكل من روسيا وإيران؛ بعد فشل «قمة طهران».
استغاث أردوغان بأوروبا والولايات المتحدة، داعياً إياهما إلى التدخل؛ لوقف أي هجوم على إدلب يشكل كارثة عليهم جميعاً. وتحدث أردوغان عن أي حل مع الأسد سيكون مزيفاً، وأن ظهور «داعش» كان نتيجة وليس سبباً.و لم يشر إلى «جبهة النصرة» كتنظيم إرهابي. وحمّل روسيا وإيران مسؤولية أي كارثة تصيب إدلب.
لعب أردوغان كثيراً في السنتين الأخيرتين بين الغرب وبين روسيا وإيران. وحيثما كانت له مصلحة كان ينحاز ويدور مثل دولاب الهواء. فهل يُسقط دولاب الهواء ممتطيه هذه المرة، ويكون أردوغان مثل المستجير من الرمضاء بالنار؟.

زر الذهاب إلى الأعلى