قضايا ودراسات

أم الجمر!!

خيري منصور
أخطأ من سمّاها أم الفحم، سواء كان جيولوجيّاً متخصصاً في المناجم أو مؤرخاً، أو حتى الذي لم يبصر الجمر تحت رمادها، وقبل قرون أرسل أحد الولاة العرب برقية شعرية إلى الخليفة قال فيها، إنه يرى خلال الرماد وميض جمر ويوشك أن يكون له ضرام.
أم الجمر لم تزدها عقود الاحتلال السبعة إلا تشبثاً بجمرها، فكل أشجارها ذات حفيف عربي، وكل هديل على أبراجها أو على أغصانها أبجدي حتى الشجن.
ورغم أن ما أكتبه عنها يصح على شقيقاتها من الخليل إلى الجليل، ومن الوريد إلى الوليد، مروراً بالنشيد، إلا أنها عنوان مقاومة وصمود، فلا «العبرنة» أصابت حرفاً من حروفها، ولا «الأسرلة» شملت حقولها ولا «التهويد» مسّ حصاة فيها.
هي أم الجمر لا أم الفحم، لأنها اشتعلت وأضاءت عبر كل تاريخها، وغالباً ما كانت البديل للخليفة الغائب، ولبت الاستغاثة، وسارعت إلى نجدة أخواتها في تلك الجغرافيا الرسولية البليغة والنازفة من كل الخاصرات.
هي القدس عندما تمتد النيران إلى سنديانة أو زيتونة في روابيها، وهي عكا واللد ويافا والطيبة حين يشهر «الإسخريوطي» رايته ليجرح الهواء، أو يرطن بلغة لا تفهمها الأرض فلا تستجيب.
أم الفحم اشتعلت منذ ميلادها وتحولت إلى جمر، والجمر لم ولن يتحول إلى رماد، إلا إذا شاء تاريخها أن تولد العنقاء من رحمها لتحلق عالياً في الفضاء، إنها حبة من ذلك العنقود الذي سموه زوراً وافتراء وسطواً عرب «إسرائيل»، فهؤلاء عرب العرب، لا عرب «إسرائيل»، وهم رأس الحربة في الدفاع عن هوية تقضم من كل الجهات، كم قاوم هؤلاء وتحملوا نيابة عن أمة أوشكت أن تفقد الشدة فوق الميم وتصبح أمَةً؟ هم الذين خيبوا الرهان الصهيوني.
وما فعلته أم الجمر التي كان اسمها أم الفحم هو خلاصة ما تقوله الفيزياء عن الفحم الذي تعذب في باطن الأرض حتى تجوهر وأصبح ماساً!Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى