مقالات عامة

أيام الشارقة المسرحية

د. حسن مدن

حين تعود بنا الذاكرة الآن إلى نحو ربع قرن مضى، وربما أكثر، لكن ليس أقل بالتأكيد، إلى الفترة التي عادت فيها أيام الشارقة المسرحية للانطلاق مرة أخرى، بعد توقف لم يطل عقب انطلاقتها الأولى، أذكر لقاءً مهماً جمع صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، مع أهل المسرح في الإمارات، وكنت أحد حضور ذلك اللقاء بحكم عملي، آنذاك، في دائرة الثقافة في الشارقة.
في ذلك اللقاء عرض سموه أن تكون أيام الشارقة المسرحية مهرجاناً سنوياً، فيما كانت آراء بعض المسرحيين الحاضرين أن الأنسب لو بقيت «الأيام» تقام كل عامين، وكانت حجتهم في ذلك الخشية من أن الوقت قد لا يكفي للتحضير للمهرجان كل سنة، فيما كان صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي يرى أبعد، فهو يعلم أن كون المهرجان سنوياً سيستنهض طاقات المسرحيين، ويجعلهم في حالٍ من التوثب والهمة، فما إن تنتهي دورة، حتى تكون أعينهم شاخصة على الدورة التالية التي لم يعد يفصلهم عنها سوى عام واحد.
العكس كان سيكون صحيحاً، فلو أن المهرجان ظلَّ يقام كل عامين، لتسلل الكسل إلى النفوس، وركن المعنيون إلى التراخي، لشعورهم بأن ثمة متسعاً من الوقت طويلاً أمامهم، وسرعان ما برهنت التجربة أنه بالإمكان إقامة مهرجان مسرحي سنوي، على مستوى الدولة، تتوفر له كل مقومات النجاح والجودة، وتقدم فيه أعمال مسرحية متميزة، بل إن المهرجان نفسه سيغدو رافعة أساسية من روافع النهوض بالحركة المسرحية في دولة الإمارات وتطورها، واستقطاب وجوه شابة جديدة إليها.
ولعل أحد رهانات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، في هذا، نابع من ثقته بالقدرات الكامنة التي يمكن للمسرح أن يستنهضها ويستقطبها، وهو ما أكدته الممارسة، فعبر التراكم السنوي للخبرات والتجارب، وتفاعل هذه الخبرات مع بعضها بعضاً، وأيضاً بفضل ما يرافق أيام الشارقة المسرحية من ورش وندوات تطبيقية ومناقشات حول العروض المقدمة، بمشاركة نخب مسرحية عربية مرموقة في مجالها، أمكن للمسرح في الإمارات أن يبلغ مستوى لافتاً بدليل العروض التي تتأهل في المسابقات العربية وتنال الجوائز.
نغبط أهل المسرح في الإمارات على ما ينالونه من عون ورعاية وتشجيع من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، الرجل العاشق للمسرح، والمشارك فيه بنصوصه المسرحية، التي تتوجه نحو تناول قضايا الإنسان العربي في ظرفنا الدقيق الراهن، باستحضار التاريخ شاهداً ورقيباً وشاحذاً للهمم. ويأتي ذلك، كله، في سياق أشمل من الرهان على الثقافة عامة في أن تكون عامل استنهاض للحال العربية المتعثرة، وفي أن تبقى وفية لجوهرها، الجوهر الحي، المنحاز للقيم الإنسانية العليا، وبوصلة لمستقبل بديل للحاضر الذي بلغناه كأمة، وفي التجارب البشرية عامة نجد البرهان على أن رهاناً مثل هذا لا يخيب أبداً.

madanbahrain@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى