قضايا ودراسات

إشكاليات التحولات في القوة

د. ناجي صادق شراب

تتلخص إشكاليات القوة في المنطقة في أكثر من أمر، الأول أن المنطقة العربية من المناطق الأولى في العالم الأكثر استهدافاً، لما لها من أهمية استراتيجية واقتصادية، فهي منطقة استهداف خارجي تاريخياً. وقديماً كانت العلاقات الدولية، وكل تحولات القوة تتمحور حول أوروبا، حتى الحرب العالمية الثانية، لتنتقل إلى العالم العربي، ورأينا مجالات الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي سابقاً، تتمركز حول المنطقة، فالهدف الاستراتيجي وقتها، ولا يزال، للولايات المتحدة السعي لتثبيت استراتيجية التواجد المباشر في المنطقة، وقد تحققت هذه الاستراتيجية، ووقتها كان هدف الاتحاد السوفييتي الوصول لمياه البحر المتوسط والخليج العربي، وهذا الهدف بدأ يتحقق في زمن الرئيس بوتين، إذ نجحت روسيا في تثبيت وجودها في المنطقة عبر تواجدها وعلاقاتها مع سوريا، وإيران، وتركيا، وقطر. هذا الجانب من الصراع لم يقتصر على هاتين الدولتين، بل اتسع ليشمل القوى الإقليمية الصاعدة، كإيران، وتركيا، و»إسرائيل». فاليوم، التمدد الإيراني واضح في اليمن وسوريا ولبنان، عن طريق توظيف «حزب الله» و»حماس» و»الجهاد» و»الحوثيين» كوكلاء حرب. وتركيا تسعى لمد نفوذها وتثبيته في شمال العراق وسوريا، ونجحت في الحصول على تواجد عسكري في قطر، أي قلب المنطقة الأكثر استهدافاً، واستراتيجية، وهي منطقة الخليج العربي. ومن مظاهر التحول في القوة لهذه الدول، أنها لم تعد تنظر لمجالها الحيوي في إطار كياناتها السيادية، أو حدودها القومية، بل تعدته إلى ما وراء ذلك، والمفارقة قبل ذلك أن «إسرائيل» كانت الوحيدة التي تعتبر مجالها الحيوي يصل إلى حدود باكستان، وهو ما يعني التصادم، والتنازع، والصراع على مناطق النفوذ، أو مناطق المجال الحيوي وتقاسمها، والمنطقة المستهدفة هي المنطقة العربية، حيث الصراع من أجل أن يكون لها نصيب في الخريطة السياسية الجديدة للمنطقة على حساب المصالح الحيوية لدول المنطقة.
والجانب الآخر من إشكاليات التحول في القوة، هو الحيلولة دون استنهاض قوة الدول المحورية والمؤثرة في المنطقة، وهذا هو الهدف الذي تسعى له الدول الإقليمية الطامحة إلى التغلغل في قلب المنطقة، حيث تعمل على إجهاض واستنفاد قوة الدول المحورية والمؤثرة، مثل مصر والسعودية والإمارات، إدراكاً منها أن أي فرصة لإعادة بناء قوة هذه الدول، وإعادة بناء التحالف العربي على أسس ومقاربة أمنية جديدة، تقوم على احتواء، وإبعاد قوة هذه الدول، وهذا ما يفسر لنا محاولات إيران في اليمن، وسوريا، ومحاولات تركيا في العراق، وسوريا، ومحاولة إشغال الجيش المصري بالإرهاب في سيناء. فنجاح محاولات هذه الدول الإقليمية مرهون بإضعاف قوة الدول العربية الرئيسية التي يمكن لها إعادة بناء منظومة القوة العربية. وأهمية هذا الحراك أن المنطقة العربية ستبقى الأكثر تنافساً وصراعاً بين القوى الدولية والإقليمية الصاعدة، والاستراتيجية العربية لمواجهة هذا الحراك يجب أن تتمثل أولاً في الدعوة لعقد قمة أمنية على غرار قمم أوروبا، تخرج منها منظومة عربية باستراتيجية، وآليات واضحة، والاستراتيجية الثانية في حالة تعثر الأولى التي تبدو احتمالاتها بعيدة، العمل على تشكيل محور أمني سياسي عربي من الدول الأكثر تضرراً واستهدافاً، ثلاثي، أو رباعي التكوين من مصر والسعودية والإمارات والأردن، ويمكن لهذا التحالف أن يشكل قوة عربية مشتركة قادرة على ملء فراغ القوة الذي تعانيه المنطقة، وقادر على مواجهة محاولات التغلغل من قبل القوى الأخرى ، وعلى معالجة وحسم كثير من الأزمات العربية، ويمكن أن يشكل نواة قوية لإعادة صياغة المنظومة العربية في ضوء المتغيرات والمعطيات الجديدة في تحولات القوة التي تشهدها المنطقة. والبديل لذلك تفكك المنطقة، وإعادة رسم خريطتها السياسية، بعيداً عن أن يكون لدولها دورها المباشر. والتحولات في موازين القوى سريعة ومتلاحقة، وتحتاج لحراك وقرار عربي سريع.

drnagishurrab@gmail..com

زر الذهاب إلى الأعلى