قضايا ودراسات

اعتذار بالنيابة

خيري منصور

لم يكن وعد بلفور عرقوبياً كباقي الوعود الإنجلوساكسونية، وحقق بالفعل دولة لليهود في فلسطين على حساب أهلها، والمئوية الأولى لذكرى هذا الوعد لها وجهان، هما عرس ومأتم، ومستوطن ولاجئ، تماماً كما هي ذكرى تأسيس الدولة العبرية!
والاعتذار الذي قدمه ممثل سينمائي بريطاني في فيلم بعنوان «مئة شارع بلفور» رغم إنه صدر باسم بريطانيا إلا أنه من الناحيتين التاريخية والاخلاقية يخص فرداً واحداً، لأن اعتذارات الدول لها تقاليد وأدبيات وبروتوكول.
لقد سبق هذا الفنان البريطاني مثقفون وأكاديميون بريطانيون اعتذر كل واحد منهم بطريقته عن ذلك الوعد لكن الاعتذار المنتظر عربياً وفلسطينياً له صيغة أخرى، تعرفها جيداً رئيسة وزراء بريطانيا.
ولم يحدث من قبل أن تسبب وعد سياسي بتشريد شعب واستيطان أرضه ثم محاولة قضم هويته القومية، وليس العرب وحدهم من يطالبون باعتذارات سياسية عن جرائم لحقت بهم خلال قرن أو أكثر، فهناك شعوب أخرى لها مثل هذا الاستحقاق. وكنا نتصور أن مطالع هذه الألفية ستشهد سلسلة من الاعتذارات تمهيداً للتعايش الإنساني والسلمي في هذا الكوكب الذي أصابه الدوار من فرط الدوران!
والاعتذارات بالنيابة سواء كانت رمزية أو افتراضية فهي رغم بعدها الأخلاقي تبقى ناقصة وبلفور ليس جدَّ هذا الفنان الذي عبَّر عن إحساس بالعدالة، بل وزير خارجية بلاده والناطق باسم حكومتها، لهذا فإن للاعتذار كي يستكمل عناصره تاريخياً وسياسياً وأخلاقياً صيغة رسمية.
حدث من قبل أن اعتذر أكثر مئة وعشرين مفكراً وكاتباً فرنسياً للجزائر عن كل ما لحق بها خلال عقود الاحتلال، لكن هؤلاء قد يمثلون الرأي العام في بلادهم وقراءهم أيضاً، لكنهم لا يمثلون الدولة.
اعتذار «تيم بارثوليو» الممثل البريطاني جدير بالاحترام، لكنه يبقى في النطاق الفردي .، والاعتذار المنتظر من بريطانيا يجب أن يكون بتوقيعها وليس بتوقيع فرد ينوب عنها.

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى