قضايا ودراسات

الأزمة الكردية.. لم يَفُت وقت الحوار

عمر عليمات
استفتاء كردستان، أزمة جديدة تضاف إلى أزمات منطقتنا، لتثخن جراحها وتزيد من حجم الألم الذي يفتك بهذه الرقعة من العالم، وكأن قدر سكانها أن يبقوا تائهين بين أزماتهم، تتجاذبهم ويلات الحروب والتشرد، فمن إرهاب إلى اقتتال داخلي إلى صراعات مصالح ونفوذ.

الأزمة الكردية اختصرت مراحل عديدة لتبدأ مباشرة بتهديدات من مختلف الأطراف، فمن تلميحات بتدخل عسكري إلى تجويع للكرد، من دون أن يكون هناك حديث عن حوار عقلاني ينهي هذه الأزمة، وكأن لغة الحوار والتفاوض لغة، لا أحد معنياً بها في هذا الجزء من العالم.
أزمة الكرد ليست بالجديدة، وتطلعاتهم لكيان سياسي يمثلهم ليست وليدة اللحظة، فلم تبدأ مع استفتاء كردستان لتنتهي معه، فهي أزمة تاريخها من تاريخ الكرد، لهم مطالبهم التي لم يتم التعامل معها بالحكمة والحوار المباشر المفضي إلى إدماجهم في الدول التي ينتمون إليها، إدماجاً حقيقياً من خلال تمثيلهم بشكل يوازي حجمهم الفعلي، وإعطائهم الفرصة للمشاركة الحقة في تنمية هذه البلدان والذوبان في نسيج الوطنية الجامع لكافة مكونات المجتمع.
لغة التهديد التي تخيم على الأزمة الكردية، لغة لن تفضي إلاّ إلى مزيد من التشرذم والشعور بالاستهداف لقومية الكرد، وهذا الشعور لن يعيد أي كردي إلى مجتمعه، بل على العكس سيبعده أكثر، ويجعله متشبثاً بالانفصال أملاً في تأسيس كيان له فيه الكلمة الأولى التي تحدد مستقبله ومستقبل أبنائه.
استفتاء كردستان قد تم، ولا يمكن العودة بالزمن إلى الوراء، والكرد قالوا كلمتهم، وإذا تراجعوا عنها نتيجة ضغوط عسكرية واقتصادية فسيعودون إليها في وقت آخر، لذا، لا بد من التعامل مع هذه المستجدات بشكل يضمن إيجاد الحلول الجذرية لمطالب الأكراد، من خلال البحث المعمق والجاد في الأسباب التي دفعتهم نحو نزعة الانفصال.
اليوم الكل مطالب بتغليب لغة الحوار، والابتعاد عن التراشق بالتهديدات في منطقة لم يهدأ القتل والدمار فيها منذ عشرات السنين، والجميع عليه أن يبتعد عن استعراضات القوة والعسكرة، فهي لن تؤدي إلاّ إلى مزيد من التشرذم والاقتتال، وتوريث الأزمات من جيل إلى آخر.
وبرغم أن الأزمة ذات تعقيدات إقليمية، لما لها من تداخلات تركية -إيرانية – سورية، فإن مشكلة كردستان العراق حلها في بغداد لا في أنقرة ولا طهران، وعلى العراقيين أن يجلسوا معاً على طاولة التفاوض ويضعوا الأسس الكفيلة بتجاوز المأزق الذي نتج عن الاستفتاء، فلا الأكراد سيعودون طواعية عن استفتائهم ولا بقية العراقيين سيقبلون بالتخلي عن جزء من ترابهم الوطني، لذا لا بد من الحلول الوسطية التي تعطي كل طرف بعضاً من مطالبه من دون إلغاء للآخر.
تجارب الفيدرالية والكونفيدرالية في العالم تجارب ناجحة، فلِمَ لا يلجأ إليها الجميع لوضع تصور لعلاقة مستقبلية قائمة على التعاون والاحترام المتبادل، بدلاً عن فوضى التهديدات والاقتتال الذي لن يسفر عن شيء سوى مزيد من عدم الاستقرار، وبقاء العراق في دوامة العنف والأزمات.
الأطراف الإقليمية المعنية بهذه القضية وهي تركيا وإيران وسوريا، من مصلحتها اليوم أن تدعم حواراً جدياً بين بغداد وكردستان، لأن نتائج هذا الحوار ستؤثر تأثيراً مباشراً في قضية الأكراد في الدول الثلاث، فالخروج بنموذج ناجح للعلاقة بين بغداد وأربيل حتماً سيؤثر إيجاباً في علاقة الأكراد بالعواصم الثلاث.. لنضع لغة التهديد جانباً ونفكر في حل مشاكلنا بلغة الحوار، ويكفينا أزمات تعصف بنا وبمستقبل أبنائنا.
olimat25@yahoo.com


Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى