قضايا ودراسات

الإعلام العربي في اللانظام العالمي

صفية الشحي

في عالم تكون فيه الصورة وما تحدثه من انطباعات وما تثيره من تحركات قد تكون خطرة عند الرأي العام هي المحك، كيف يتصرّف الإعلام العربي مع كل تلك الضغوطات في نظام من المشروع أن نطلق عليه «لا نظاماً» عالمياً؟
إذ ما عشناه من أزمات مختلفة أثبت أن معظم الفاعلين في الإعلام العربي غير مستعدين للتفاعل الموضوعي والمهني مع قضايا أوطانهم ومجتمعاتهم، وفي معظم الأوقات ترى أن مصدّات رقمية تتشكل، قوامها فاعلون من نوع آخر – مواطنون – ذوو تخصصات مختلفة واهتمامات متباينة، تقف بالمرصاد لكل من يتربّص بقيم المجتمع وثوابته، إلا أن أصوات هؤلاء أيضاً تختلط وتضيع في زخم التحليلات والتكهنات التي تشارك فيها حتى الأصوات الرسمية تعبيراً عن مواقف معيّنة، تاركين الجمهور العام فاقداً لبوصلته في فوضى الأحداث والمشاهد.
الشائعات والأخبار المزيّفة – بإتقان- أصبحت جزءاً من الصورة العامة والتي صرنا نصدرها -من دون قصد أحياناً- للرأي العام العالمي الذي يرانا في هذه الأيام شعوباً في أحسن أحوالها متفرّقة، وفي أسوئها إرهابية، والمسؤولية يتحمّلها الجميع، لا القنوات الإعلامية الرسمية التي وجدت نفسها في سباق غير متكافئ في معظمه مع شبكات الاتصال والتواصل الحديثة، ولا الأنظمة والجماعات وحدها، بل والأفراد الذين يمارسون في المشهد أدوار: الشهادة والتحليل والنقل وأحياناً التزييف.
كما أن الدور لا يقع على الإعلام المغرق في محلّيته وحسب، بل ذلك العربي الذي يجيد اللعب في مسرح الأحداث العالمية، فهو واجهة للصراع ونافذة مشرّعة على كل الاحتمالات، فكيف يستثمر أدوات العصر المتاحة ويشدّ لاعبي الباحات الخلفية -عمالقة التكنولوجيا- إلى طرفه؟ إن أسباب القصور كما أراها في بعض الجوانب تعود لعدم تقدير خطورة هذه المهنة وأهميتها، والتي لا تتطلب عناصر فنية وتقنية عالية الحرفية وحسب، بل كوادر بشرية متخصصة في التخطيط والإدارة القائمة على البحث وبعد النظر واقتناص الفرص.
لا يكفينا التمدد بإضافة قنوات للشبكات، بل والاحترافية في استثمار العناصر البشرية التي يتوسم فيها إضافة للعملية الإعلامية، كما أنه لا يجب الاكتفاء بفتح قنوات في الفضاء الرقمي لتعيد تقديم ما يتم عرضه في القنوات الأم، بل يجب التوجّه لصناعة محتوى خاص ومناسب لنوع جديد من الجمهور، الذي لم يعد يهتم بنقاوة الصورة بل سرعة وصولها، ولم تعد تجذبه الكلمة المنمّقة، بل تلك النارية التي تثير الجدل وتؤجج الحوار.
في هذا اللانظام العالمي، والذي يحاول فرض أحادية مفرطة لا بد من السعي للإيمان بأصواتنا المتعددة التي يجب أن يحملها إعلاميون قادرون على لعب أدوارهم بمهنية عالية في مساحات باتت تشكل مناطق رمادية، وملاعب يسرح فيها الإعلام المضاد أنّى شاء، معتمداً على ردود أفعال غير مدروسة تحرّكها العفوية والعاطفة، لا الخيارات المدروسة في إدارة الأزمات الإعلامية.
أعتقد أن ما مر بإعلامنا العربي يجب أن يكون درساً كافياً، لنخرج من دائرة المراقبة الطويلة للإعلام الآخر إلى حيز التطبيق والابتكار، فنحن بحاجة إلى خطة استشرافية لما سيؤول إليه مستقبل العمل الإعلامي في ظل الظروف سريعة التغير.

Safia.alshehi@gmail.com

زر الذهاب إلى الأعلى