مقالات عامة

البلطجة الرسمية

عبدالله السويجي

من المفترض أن الأمم المتحدة قامت لنشر العدل وإشاعة الحوار السلمي بين الدول لحل مشاكلها، بعيداً عن التلويح بالتهديد بالقوة وابتزاز الدول والشعوب. ومن المفترض -أيضاً- أن الدول الغنية والكبرى تقدم مساعدات للدول والشعوب الأخرى؛ لدعمها في النهوض؛ وتحسين برامج التنمية، وإذا بنا أمام منظمة دولية محكومة يمارس بعض أعضائها ابتزازاً رخيصاً على بقية الأعضاء؛ لتمرير سياساته الخاصة الظالمة وغير الشرعية، التي تتناقض مع الاتفاقات والقوانين الدولية، وإذا بنا أمام دول داعمة تتصرف كالأب الجاهل المستبد مع أبنائه الصغار، الذين يتلقون مساعداته، ويأمرهم بطاعته العمياء، غير آبهة بحقوقهم الكثيرة.
وكنا نظن أن «البلطجة» هي عملية فردية أو تتميز بها جماعات إرهابية كالمافيا العالمية والقطرية، همها جمع الأموال؛ عن طريق القتل ونشر المخدرات والمتاجرة بها، وتمتد سلطتها أحياناً إلى التحكم في تعيين المسؤولين في الحكومات، فإذا بنا أمام دول تمارس «البلطجة» بشكل رسمي ومباشر على الدول الأخرى، دون خجل أو حياء.
الولايات المتحدة منذ اعترافها بالدويلة المغتصبة لفلسطين، وهي تمارس دوراً منحازاً ومؤيداً للبطش والاحتلال ومصادرة الأراضي وتشريع سرقة البلاد وتزييف التاريخ، وتغض النظر عن اللاجئين الفلسطينيين، الذين مر على طردهم من بلادهم أكثر من سبعين سنة، تخدّرهم بمساعدات ومنح؛ هدفها الإبقاء عليهم خارج بلادهم ودورهم التي هجروا منها، على الرغم من قرار ملزم من مجلس الأمن بعودتهم إلى بيوتهم الأصلية، ما يشكل تناقضاً فاحشاً على الصعد الإنسانية والسياسية؛ بل إنها بدأت في السنوات الأخيرة تقلص مساعداتها ودعمها لهيئة تشغيل وإغاثة الفلسطينيين (الأونروا)؛ للضغط عليهم للهجرة من مخيماتهم إلى أوروبا وكندا وأستراليا، وهي الدول، التي تعاني أزمات في أعداد السكان، مستندة إلى حجم اليأس، وإلى موت أكثر من جيلين، ومستندة أيضاً إلى قناعة كاذبة تقول، إن الأجيال الجديدة نسيت فلسطين، فإذا هي أمام أجيال شبابية أشد تمسكاً بأرضها ووطنها.
من يتابع سيرة الرئيس دونالد ترامب وتصريحاته منذ كان شاباً حتى الان، يكتشف لغة التهديد والوعيد بالحصول على أموال الآخرين، الذين يعتقد أنه يحميهم مجاناً ولوجه الله، وطالب في حملته الانتخابية بكل وضوح أن يحصل على (حقه) في المال العربي، بينما لم يطالب «إسرائيل» بدفع دولار واحد مقابل الحماية التاريخية لعصاباتها التي ترتكب المذابح منذ ما قبل عام 1948 حتى اليوم.
من المعروف أن القواعد الأمريكية الموجودة في العالم ليست للدفاع عن الدول المقامة على أرضها؛ لكنها موجهة لدول عظمى في إطار الحرب الباردة، التي لم تضع أوزارها، وموجودة في الأساس لحماية دويلة «إسرائيل» من أي عملية عسكرية ضدها، أو لمجرد التفكير في ذلك، ولهذا، فإن الولايات المتحدة هي المستفيدة من وجود قواعدها، وعليها أن تدفع مقابل تواجدها في تلك القواعد، كما تفعل مع الفلبين وكوريا الجنوبية واليابان وغيرها؛ لكن ما يجعل ترامب يمارس هذا التهديد هو نجاحه في إقناع بعض الدول العربية بوجود أعداء كثيرين يهددون وجودهم غير الدويلة الصهيونية.
العنجهية الأمريكية بلغت ذروتها؛ حين هددت واشنطن الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بقطع المساعدات عنها، إذا ما صوتت ضد قرار يعترف بالقدس عاصمة لدويلة الاحتلال، وقالت المندوبة الامريكية في الأمم المتحدة، إن رئيسها سيراقبهم مندوباً مندوباً، وسيقطع الدعم عن كل من يصوت ضد قراره؛ لكن الرئيس الامريكي أصيب بخيبة أمل حين صوتت 128 دولة من أصل 194 دولة ضد قراره، وصوت 14 عضواً في مجلس الأمن، الذي يبلغ عدد أعضائه 15 ضد قراره أيضاً، ووجد نفسه وحيداً يلوك القهر والغضب، ويهدد ويتوعد.
فشلت الولايات المتحدة على مر السنين في أن تكون راعية نزيهة للسلام، ونجحت في الانحياز التام والتبنّي المطلق لـ «إسرائيل» كأنها ولاية من ولاياتها، وهذا الفشل سيتواصل مع وجود رئيس غير عادل مع من يسميهم حلفائه.

suwaiji@emirates.net.ae

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى