قضايا ودراسات

التأمين على الحياة بالدعاء

د. عارف الشيخ

التأمين على الحياة إما أن يكون بالمال، وإما أن يكون بالدعاء، والتأمين على الحياة بالمال هو أن تقوم جهة كشركة التأمين بموجب العقد المبرم بينها وبين الشخص المؤتمن على حياته، بصرف مبلغ مالي معين إلى ورثته أو المسجلين في العقد، وذلك بعد وفاة صاحب البوليصة خلال فترة سريان العقد، أو تدفعه الشركة عند وقوع أي إصابة أو كارثة على الشخص.
الإسلام ينظر إلى التأمين بهذا الشكل بأنه من العقود التي تشتمل على غرر فاحش وعلى أساس غير شرعي، وقال بهذا مجمع الفقه الإسلامي وجماهير العلماء، وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر عموما. كما أن عقد التأمين نوع من المقامرة، لأنه قد يستفيد أحد الطرفين من غير مقابل أو بمقابل غير مكافىء للضرر، فيدخل بذلك في باب أكل أموال الناس بالباطل.
لكن بعد ذلك اتسم رأي الفقهاء بشيء من المرونة، ففرقوا بين التأمين على الحياة والتأمين على السيارة أو البيت أو غيرهما، واقتضت ضرورات الحياة السماح به لأن القاعدة الفقهية تقول: المشقة تجلب التيسير.
ويبقى بعد ذلك ماهو أهم وأسلم ولا يحمل أي مخاطر، وهو التأمين بالدعاء، وهذا النوع من التأمين ربما لم يلتفت إليه أحد من الناس، أو أنه لم يأخذ حقه من التأمل.
إنك لو تأملت في الأدعية المأثورة لوجدتها كنزاً لا يفنى، وهي أفضل وثيقة تأمين على الحياة على وجه الأرض، والتأمين بالدعاء تأمين على الدنيا والآخرة.
والتأمين بالأدعية لم يخص جانباً من الحياة، بل شمل كل جوانب الحياة، فمنه التأمين المؤقت والجزئي، ومنه التأمين الشامل والكلي، ومنه ما هو تأمين على الحياة ضد المخاطر والكوارث، ومنه ماهو تأمين على الأموال والممتلكات، ومنه ماهو تأمين على الأولاد، وضد الأعطال العارضة، أو تأمين على المكان، أو على الصحة وغيرها كثير.
إذا أردت أن تعرف ذلك فما عليك إلا أن ترجع إلى كتاب مثل كتاب «الأذكار» للإمام النووي لتجد آلاف الأدعية والأذكار من الكتاب والسنة اشتملت على تأمين حياة العبد ضد الأخطار.
فعلى سبيل المثال لو أخذنا قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت»، هذا الحديث ألم يؤمن آخرة الرجل؟
وانظر إلى قوله عليه الصلاة والسلام: «من قال حين يمسي: باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات لم يصبه فجأة بلاء حتى يصبح، ومن قالها حين يصبح ثلاث مرات لم يصبه فجأة بلاء حتى يمسي».
مثل هذا الحديث أليس تأميناً ضد المصائب والكوارث المفاجئة؟
ثم انظر إلى قوله عليه الصلاة والسلام: «اللهم يا من لا تضيع ودائعه أستودعك نفسي وديني وبيتي وأهلي ومالي وخواتيم أعمالي، فاحفظنا بما تحفظ به عبادك الصالحين».
أليس هذا تأميناً شاملاً على الحياة في الدنيا والآخرة؟
وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفا».
أليس مثل هذا الحديث تأميناً على الأموال والممتلكات؟
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا نزل منزلاً قال: «أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق وقال: من قال هذا الدعاء لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك».
ألا تفهم من مثل هذا الدعاء أنه تأمين مؤقت باصطلاح زماننا؟
إذن عليك بالتأمين بالدعاء حتى لو كنت مؤمّناً على أموالك بالمال، فإنه مجرب وهو حلال باتفاق العلماء، ولا يكفلك شيئاً، اللهم إلا مجرد إحياء سنة الرسول صلى الله عليه وسلم.

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى