قضايا ودراسات

التحديات الشعبويّة في أوروبا مستمرة

ماثيو غودوين*

على الرغم من فوز ماكرون وتغلبه على منافسيه الشعبويين في انتخابات الرئاسة الفرنسية، لا تزال السياسات التقليدية ترزح تحت الضغط في القارة الأوروبية.
ما مِن شكٍّ في أن الشعبوية القومية، ستظل دافعاً مهمّاً للمناقشات في أوروبا. وتعتبر النخب في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي، الشعبويين التحدّي الأول الذي يواجهها. وهكذا، ونحن نغادر عام 2017، يبدو أن العديد من المراقبين كانوا مغرقين في التفاؤل إزاء انتصار ماكرون، والهزيمة المفترضة للشعبوية القومية، التي تمثلت في خسارة مارين لوبان في فرنسا، وغِيرْت فيلدرز في هولندا.
وفي واقع الأمر، مع انحدار شعبية ماكرون، مالت النمسا بشكل حاد نحو اليمين، فانتخبت اليميني الشاب سيباستيان كورْتْس، الذي دخل في مفاوضات؛ لتشكيل اتفاق ائتلاف مع «حزب الحرية» اليميني المتطرف. وبعد ذلك، غنِمَ حزب «البديل لألمانيا» 12.6% من الأصوات، و94 مقعداً في البوندستاغ (البرلمان) في الانتخابات الاتحادية الألمانية، وهذه أقوى نتيجة للشعبوية في تاريخ البلاد في مرحلة ما بعد الحرب، وقد قلبت هذه النتيجة الافتراض بأن مثل هذه الأحزاب لا يمكن أن تحرز نجاحاً في البلد، الذي أنجب الاشتراكية الوطنية.
وإذا كوّنت أنجيلا ميركل تحالفاً كبيراً آخر مع الحزب الديمقراطي الاشتراكي من يسار الوسط، فإن من شبه المؤكد، أن يؤدي ذلك إلى أن يُعتبَر حزب البديل لألمانيا، في نظر العديد من الناخبين، البديلَ الوحيد عن التيار الرئيسي (بينما تتعرض ميركل نفسها للضغط من المنتقدين داخل حزبها من أجل التحرك نحو اليمين). وبطبيعة الحال، فإن هذه المحادثات قد تفشل، وفي هذه الحالة، ستُجري ألمانيا انتخابات جديدة، أو يكون لديها إدارة أقلية.
وتعكس كل هذه الأحداث تيارات أعمق تُدَوِّم تحت السياسة الأوروبية. والقصة العامة، هي قصة أنظمة حزبية أصبحت أكثر تشظياً، وتقلّباً وأقل قابلية للتنبؤ بها. ويتجسد عدم الاستقرار هذا، في حقيقة أن الأمر قد استغرق 208 أيام؛ لتشكيل حكومة ائتلافية في هولندا، وأنّ ألمانيا لا تزال دون حكومة.
وتشير الأبحاث الأخيرة، في واقع الأمر، إلى أن الأنظمة السياسية في أوروبا، لم تشهد مثل عدم الاستقرار هذا من قبل أبداً، مع مستويات قياسية من تبديل الأصوات، وفقدان التأييد للتيار الرئيسي، في حين أن انقسامات القيم بين القوميين والكوزموبوليتيّين (المواطنين الأمميّين)، تغدو بأهمية الانقسام التقليدي بين اليسار واليمين.
وسوف تنعكس هذه التحديات في الانتخابات في العام المقبل في إيطاليا، والمجر، والسويد. وستؤكد هذه البلدان.. كلٌّ بطريقته، التحدي الجاري للتوافق الليبرالي والاتحاد الأوروبي، من مجموعة متنوعة من الأحزاب المناهضة للمؤسسة، والمشككة في الاتحاد الأوروبي، أو الشعبوية المجاهِرة بشعبويتها.
وإيطاليا هي الأهم، ولا سيّما بسبب أسواقها المالية الضعيفة، والمشهد السياسي المفتت بدرجة عالية. ويتعرض يسار الوسط الموجود في السلطة حالياً، للضغط من قبل «حركة النجوم الخمس» التي تفاخر بشعبويتها، ومِن قِبل تحالف الأحزاب الشعبوية اليمينية. وقد جاء «لويجي دي مايو» وحركة النجوم الخمس التي ينتمي إليها، في المرتبة الأولى في استطلاعات الرأي الثلاثة عشر المتعاقبة، بينما يحظى حزب «فورزا إيطاليا» (إيطاليا إلى الأمام) اليميني، وحزب «الرابطة الشمالية» (الذي يحرز الآن نتائج قوية في استطلاعات الرأي خارج معاقله الشمالية التاريخية) بدعم كافٍ لتشكيل ائتلاف.
وتستفيد هذه الأحزاب إلى حدٍّ كبير، من الغضب الشعبي إزاء أزمة اللاجئين، ومن تزايد عدم الارتياح إزاء عضوية الاتحاد الأوروبي. وفي استطلاع للرأي أجري مؤخراً، أعرب أقل من 40% من الإيطاليين عن شعورهم بأن عضوية بلادهم في الاتحاد الأوروبي كانت مفيدة، ما يضعهم في قاع كومة الدول الأعضاء؛ وذلك علامة مشؤومة قبل الانتخابات التي ستشهد ساسة شعبويين يتسابقون على المنصب.
وفي المجر، في الوقت نفسه، تمنح استطلاعات الرأي فكتور اوربن، وحزب «فيديس» (اتحاد الديمقراطيين الشباب) اليميني الشعبوي بصورة متزايدة، نسبة من الأصوات مثيرة للقلق، تعادل 57%. (بالاشتراك مع حزب جوبيك اليميني المتطرف، يحوز الحزبان اليمينيان على نسبة مذهلة هي 70%)؛ وذلك ليس من شأنه فقط أن يُديم المعارضة الشرقية لطريقة معالجة الاتحاد الأوروبي لأزمة اللاجئين، وتعزيز أولئك الذين يدعون أوروبا للتحرك في اتجاه أكثر محافظة؛ بل يجدّد المخاوف أيضاً من تراجع الديمقراطية.
وربما تكون الانتخابات في السويد، أهدأ في أحداثها ونتائجها، وقد تشهد استمراراً للحكومة الحالية بقيادة الديمقراطيين الاشتراكيين. ولكن حصة التصويت للحزب «الديمقراطي السويدي» الشعبوي، ستكون مؤشراً على كيفية استمرار أزمة اللاجئين والمشاعر المناهضة للمؤسسة، في التموّج في أنحاء شماليّ أوروبا.

*أكاديمي بريطاني، ويعمل حالياً أستاذاً للسياسة في كلية السياسة والعلاقات الدولية في جامعة كنت، وهو زميل مشارك في تشاتام هاوس. موقع: «تشاتام هاوس»


Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى