قضايا ودراسات

الجمع والقصر قبل السفر

د. عارف الشيخ

يقول بعضهم: أنا عازم على السفر وموجود في المطار ورحلتي سوف تستغرق ساعات من السفر، ومن المؤكد أنني لن أتمكن من أداء الصلاة في وقتها فهل يجوز لي أن أصليها قصراً وجمعاً مقدماً وأنا لم أغادر بعد؟
أقول: ما دمت في المطار فلا ينطبق عليك حكم المسافر لأنك لم تغادر حدود بلدك ولم تقطع مسافة القصر ولم تجد مشقة السفر بعد، وبإمكانك وأنت في المطار أن تصلي كل صلاة في وقتها.
وما ينبغي أن تعلم أن القصر والجمع رخصة والرخصة وجدت لدفع المشقة، والله تعالى يقول (وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة) (النساء: ١٠١).
والمراد بالضرب في الأرض السير فيها، ولا فرق بين الجمع والقصر في السفر غالباً، والقول بأنه ربما لن يجد مكاناً يصلي فيه ادعاء لا أصل له، فمن رحمة الإسلام أنه أجاز لنا أن نصلي في أي مكان، قال عليه الصلاة والسلام «جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً فأيما رجل أدركته الصلاة فليصلّ».
قلنا بأنه لا فرق بين القصر والجمع في السفر غالباً، لكن ما تسامح فيه الإسلام أنه أباح لك الجمع بين الصلاتين جمع تقديم وأنت مسافر قبل أن تغادر منزلك أو تغادر المطار إذا وجدت الضرورة، أما القصر فلا يكون إلاّ لمن سافر فعلاً وغادر البلد.
وقد ورد في فتاوى الأزهر ما يلي:
يشترط في السفر الذي تترتب عليه أحكام السفر أمور هي:
– بلوغ المسافة المحددة شرعاً أو الزيادة عليها.
– قصد موضع معين عند ابتداء السفر، فلا قصر ولا فطر لهائم على وجهه لا يدري أين يتوجه.
– مفارقة محل الإقامة فيشترط في السفر الذي تتغير به الأحكام مفارقة بيوت البلد، فلا يصير مسافراً قبل المفارقة.
– ألا يكون السفر سفر معصية، فمن كان عاصياً بسفره كقاطع طريق أو كمرأة ناشز مثلاً فلا يجوز له القصر ولا الفطر، لأن العاصي لا يعان على معصيته.
ومما ينبغي أن أوضحه للسائل أن المطار أو الميناء أو محطة القطار أو مواقف السيارات العامة أو مركز الشرطة الحدودي للدولة كل هذه في حكم بلد الإقامة للشخص، فمتى غادر أياً مما ذكر عدّ مسافراً.
ومما ينبغي أن يعلمه المسافر أيضاً أن القصر في السفر رخصة للمسافر وليس بالضرورة أن يلازم الجمع، إذ يجوز له أن يجمع ويقصر في السفر، ويجوز له أيضاً أن يجمع من غير قصر.
ويجمع ويقصر بين الظهر والعصر جمع تقديم أو جمع تأخير، وبين المغرب والعشاء ولا يجوز أن يجمع بين العصر والمغرب ولا بين الصبح والظهر مثلاً.
ومدة الرخصة في السفر هي إقامة أربعة أيام غير يومي الدخول والخروج باتفاق الفقهاء فإذا نوى الإقامة أكثر من أربعة أيام كان في حكم المقيم بمعنى أن الرخصة هي أن يجمع ويقصر عشرين صلاة أي أربعة أيام بلياليهن.
ولو سافر إلى بلد ولا يعلم كم يوماً يقيم فيه فإنه يقصر ويجمع ما شاء أن يجمع ويقصر حتى لو بلغت المدة سنة أو أكثر لأنه في حكم المسافر طالما أن حاجته لم تنقض أو أنه لم يحدد تاريخ العودة.
وفي السنّة وردت أحاديث عن الصحابة بأنهم كانوا خارج المدينة المنورة وكانوا في غزو، فحبستهم الثلوج أو عوارض أخرى فكانوا يجمعون ويقصرون طوال تلك المدة التي بلغت سنتين في إحدى الروايات.

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى