جديد الكتب

الخطر الروسي على أمريكا بين الحقيقة.. والتضخيم الإعلامي

تأليف: دان كوفاليك
ترجمة وعرض: نضال إبراهيم

كانت التدخلات الأمريكية في دول العالم تستند فيما مضى على مواجهة التهديد السوفييتي المزعوم، الذي كان مبالغاً فيه بشكل كبير، ومؤخراً أثير شبح الخطر الروسي مرة أخرى في أعقاب انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية. يتحدى دان كوفاليك في عمله هذا ما تظهره وسائل الإعلام الأمريكية في مسألة التركيز السياسي على روسيا، ويحذر من أن قوى مهووسة بالحروب داخل الولايات المتحدة، تأخذ بلاده والعديد من دول العالم إلى اتجاه في غاية الخطورة من شأنه أن يقضي على فرص السلام في العالم.
منذ عام 1945، بررت الولايات المتحدة العديد من الحروب والتدخلات العسكرية بذريعة التهديد الأحمر الروسي، حتى بعد انهيار الاتحاد السوفييتي في نهاية عام 1991، حيث لم تعد روسيا حمراء كما يقول الكاتب. ويضيف: «في الحقيقة، أكبر صراعين أمريكيين في فترة ما بعد الحرب، هما الحرب الكورية والفيتنامية، اللتان لم تكونا، كما قيل في كثير من الأحيان، لأجل وقف العدوان السوفييتي أو حتى تأثيره، ولكن لأجل الإبقاء على العلاقات الاستعمارية القديمة».
يجمع كوفاليك في هذا العمل تطوره الشخصي عند معرفة الحقائق والتاريخ. وهو في بداياته نشأ كمحافظ روماني كاثوليكي خائف، وحذر من الشيوعية والاتحاد السوفييتي. ويصف كيف تم الاعتراض على معتقداته وافتراضاته عندما سافر إلى أمريكا اللاتينية. وقد أدت التجربة الأولى له إلى مزيد من القراءة والبحث، ما أدى إلى تشكل إدراك صادم لديه بأن الحكومة الأمريكية كانت وراء الانقلابات والدكتاتوريات العسكرية من إندونيسيا إلى إيران وغواتيمالا والسلفادور والبرازيل وباراغواي وتشيلي وغيرها.
كتب مقدمة الكتاب المؤلف والصحفي الشهير ديفيد تالبوت الذي يقول فيها: «إن آلة الحرب الأمريكية أحيت الخوف الأحمر الحقيقي والمجرّب. هذه الحملة الدعائية الضخمة المناهضة للروس هي واحدة من أكبر العمليات الإخبارية المزيفة في تاريخ الولايات المتحدة. وخلافاً لوسائل الإعلام الأمريكية المهووسة بالحرب، فإن محامي حقوق الإنسان دان كوفاليك يدرك أن السلام والدبلوماسية هما في صالح الشعبين الأمريكي والروسي. كتابه هجوم مضاد نحتاجه على وجه السرعة ضد القوى الدعائية التي تحاول دفعنا إلى هاوية، بمجرد التفكير فيها نجدها مرعبة جداً. لقد حان الوقت لنا جميعاً أن ننطق بالحقيقة في وجه السلطة قبل فوات الأوان».

الرهاب الروسي
يناقش المؤلف السياسة الخارجية الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية، قبل وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي. وهو يضع الحرب الباردة «الجديدة» الحالية في السياق التاريخي، ويستعرض الوقائع وراء تركيز وسائل الإعلام السياسية الحالية على «البوابة الروسية». ويخلص إلى أننا «نتعرض إلى تعتيم مع افتراض وجود رهاب روسي لا أساس له، في حين أن القوى التي تدفع إلى مزيد من الحروب الأمريكية لا تجد من يتحداها، وتهدّد بشكل متهور بالدخول في حرب يمكن أن تغمرنا جميعاً».
كوفاليك يصف تصوره عن «الاستثنائية الأمريكية» حينما كان شاباً، حيث اعتقد أن السياسات الأمريكية والإجراءات التي كانت تقوم بها جيدة وتسير وفق قيم عليا. إلا أن هذا الاعتقاد جوبه بحقيقة مختلفة جداً، عندما سافر إلى أمريكا الوسطى في الثمانينات. هناك رأى واقع الولايات المتحدة وكيفية تمويلها «جماعات الكونترا» التي كانت ترهب القرويين النيكاراغويين. كما علم هناك أن الراهبات الكاثوليكيات الأربع اللواتي قتلن على يد رجال الجيش السلفادوري، كانت الولايات المتحدة تدعمهم، وتغض النظر عن أفعالهم المشينة تجاه المدنيين، فضلاً عن أحداث أخرى من القتل والتنكيل بحق أبناء تلك المنطقة.
ويجري الكاتب مراجعة للحقائق التاريخية ذات الصلة بهذه التدخلات الخارجية وتمويل الجماعات المتمردة على نطاق واسع، متوقفاً عند دور المستشارين الأمريكيين في انهيار الاقتصاد الروسي خلال التسعينات، والوعود الكاذبة التي أعطيت لجورباتشوف، وتوسيع حلف «الناتو» إلى الحدود الروسية، وحروب «الناتو» على يوغوسلافيا والعراق وليبيا، والتفاوت الكبير بين الأغنياء والفقراء داخل الولايات المتحدة وفي كافة دول العالم.

التهديد الحقيقي للديمقراطية
يجد الكاتب أن «التهديد الحقيقي للديمقراطية لا يأتي من روسيا، وإنما من النظام السياسي في الولايات المتحدة، والقوى التي تستفيد من الحروب. ويستشهد بما قاله الرئيس السابق جيمي كارتر من أن الولايات المتحدة «أوليغارشية (حكم الأقلية) مع وجود رشوة سياسية غير محدودة».
كوفاليك يستعرض تاريخ وكالة المخابرات المركزية الأمريكية «سي آيه إي» وغيرها من الوكالات الاستخباراتية المرتبطة بها. ويخلص إلى أن «وكالة المخابرات المركزية ليست مصدراً موثوقاً به، وتشكل اليوم أكبر تهديد للديمقراطية الأمريكية أكثر مما تفرضه روسيا». تريد وكالة المخابرات المركزية أن تبقي ترامب على خط المواجهة مع روسيا، قائلاً إن «هناك تاريخاً طويلاً للصراع بين وكالة الاستخبارات المركزية والرؤساء الذين يسعون إلى تعزيز السلام. فقد شهد الرئيس جون كينيدي صراعاً شرساً مع وكالة المخابرات المركزية إلى درجة قال ذات مرة إنه يريد «تمزيقها إلى ألف قطعة وينثرها في الريح».
يسعى كوفاليك إلى تقديم دلائل توضح أن مسألة تشويه صورة روسيا وسمعة بوتين تستخدم كذريعة لتبرير الحروب والصراعات مع تخصيص ميزانية عسكرية متزايدة أكثر من أي وقت مضى. وبدلاً من أن يكون السلام هو النتيجة، نجد أن الحرب الباردة القديمة أدت إلى تدخل أمريكي أكبر في الخارج كما يقول، مضيفاً: «أما الحرب الباردة الجديدة، فهي تثير خطر المواجهة المباشرة والحرب النووية المحتملة. معظم الأمريكيين لا يريدون حرباً أخرى. لماذا نتوجّه إلى هذا المنحدر الزلق؟»

إفقار شعوب العالم
يحاول المؤلف عموماً تقديم الأسباب إلى تقود إلى هذه التحركات الأمريكية، ويشير إلى أن «الجيش الأمريكي الضخم ليس فقط لضمان حصة الولايات المتحدة غير العادلة من ثروات العالم، بل أيضاً لضمان عدم تقاسم تلك الثروات مع الجماهير الفقيرة الموجودة في هذا البلد».
كما يذكر أنه كان هناك «اعتقاد بأن الولايات المتحدة لاعب جيد بشكل فريد في العالم، ينشر السلام والديمقراطية»، إلا أن الأفعال الأمريكية في العديد من دول العالم أثبتت عكس هذا الاعتقاد، فقد لعبت دوراً كبيراً في نشر الفوضى في ليبيا والعراق والصومال وأفغانستان واليمن إلى جانب دول من أمريكا اللاتينية والقارة الإفريقية.
ويرى أن العلاقات الجيدة مع روسيا ستكون ببساطة سيئة للأعمال التجارية، ولا سيما الأعمال الحربية، ويقول إنه اعتباراً من عام 2015، كان لدى الولايات المتحدة ما لا يقل عن 800 قاعدة عسكرية في أكثر من 70 دولة، في حين أن بريطانيا وفرنسا وروسيا مجتمعة لديها 30 قاعدة عسكرية فقط. ويضيف: «تحت قيادة أوباما وحدها، كان لدى الولايات المتحدة قوات خاصة منتشرة في نحو 138 بلداً».
كما يعتبر أن موقف روسيا في الحرب الأوكرانية يمكن الدفاع عنه في الوقت الذي عرضت روسيا التعاون مع الولايات المتحدة لإنهاء الحرب في سوريا. كما يرى أن ادعاءات الولايات المتحدة حول انعدام الديمقراطية في روسيا تقوم على مواقف التوتر، ويصر كوفاليك على أن الولايات المتحدة تنتهك حقوق شعوب العالم، وتعاني هي نفسها في الوقت ذاته من «عجز ديمقراطي حاد».
ويقول إن إدارة أوباما، ولا سيما وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، كانت مهووسة بروسيا وأن الديمقراطيين يؤججون الأعمال القتالية حالياً، مدعومة بوسائل إعلام متوافقة معها. كما يتوقف عند كشف «ويكيليكس» وثائق تتعلق بالحزب الديمقراطي الأمريكي والقرصنة المنسوبة للروس.

الرسالة الاشتراكية
يخصص كوفاليك جزءاً كبيراً من مناقشته للاتحاد السوفييتي. إذ يشير إلى أن العديد من التدخلات العسكرية الأمريكية ما كانت لتحدث لو كان الاتحاد السوفييتي لا يزال قائماً. ولكن في الأساس الاتحاد السوفييتي، كان له تأثير سياسي وإيديولوجي كبير في العالم لفترة من الزمن، وذلك بسبب نداء الرسالة الاشتراكية، وكذلك دوره الحاسم في الفوز بالحرب العالمية الثانية.
كما يقرّ كوفاليك ب«فترات القمع الكبير أثناء الثورة الروسية واتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية، حيث سارت القيادات بعكس الوعود التي أعطتها»، إلا أنه يجد أن «أهداف الثورة الروسية من سيطرة العمال على الاقتصاد، إلى الرعاية الصحية الشاملة، والضمان الاجتماعي، هي أهداف جديرة بالثناء».
ويقول إن «أحد أسباب استمرار الغرب في الرقص على قبر الاتحاد السوفييتي، والتأكيد على أسوأ الأجزاء من تاريخ ذلك المجتمع السوفييتي وتقليل منجزاته، هو لأجل التأكد من أنه، مع تفاقم الوضع الاقتصادي المزري، ومع تعمق معاناة الناس في جميع أنحاء العالم، لن تضع الدول الغربية أي مفاهيم على رأس أولوياتها لتنظيم شكل من الثورة الاشتراكية الجديدة مع مثل عليا كهذه».
ويدعم كوفاليك رأي الراحل مارتن لوثر كينج، الذي أشار إلى أن «الولايات المتحدة تقف على الجانب الخطأ من الثورة في جميع أنحاء العالم»، وكذلك يستشهد بما قاله الكاتب والضابط والعالم الأمريكي دانييل إلسبرج الذي قال: «الولايات المتحدة ليست على الجانب الخطأ. بل إنها الجانب الخطأ».
كما يقول في نهاية عمله: «لا يزال دونالد ترامب يقترح زيادة هائلة في الميزانية العسكرية، في حين يقترح تخفيض الوظائف الاتحادية والفوائد الاجتماعية، كما أنه يضاعف التورط الأمريكي في مذابح تحدث في دول عديدة من العالم. وهذا تماماً بعكس ما ينبغي عمله، ويجب أن تلقى هذه السياسة مقاومة»، ويضيف: «في النهاية، من المهم بالنسبة للمواطنين الأمريكيين، الليبراليين والمحافظين، الوقوف في وجه مثل هذا الجنون، والدعوة إلى سياسة خارجية قائمة على المنطق والحقائق. المواجهة مع روسيا لا يمكن تبريرها بأي شكل».

المحتويات
يأتي الكتاب في 240 صفحة صدر حديثاً عن دار «سكايهورس للنشر» باللغة الإنجليزية، وهو موزع على 14 فصلاً بعد المقدمة: 1) طفل الحرب الباردة. 2) الحرب الباردة الجديدة (ليست) مثل الحرب الباردة القديمة. 3) عودة إلى الاتحاد السوفييتي. 4) قتلتنا ليس مثل قتلتهم. 5) الولايات المتحدة تسحب الدم الأول. 6) دعواتنا مستجابة، لكن السلام لم يأت بعد. 7) كلينتون يتدخل في روسيا بنتائج كارثية. 8) فناؤنا الخلفي. 9) بيل كلينتون و«التدخل الإنساني». 10) هيلاري وانقلاب هندوراس. 11) الولايات المتحدة تتمدد كلما تقلصت روسيا: إذلال ووعود كاذبة. 12) إطلاق العنان للإرهاب للفوز بالحرب الباردة. 13) الهجوم الحقيقي على الديمقراطية الأمريكية. 14) امنحوا فرصة للسلام.

نبذة عن الكاتب
ناشط ومحامٍ في شؤون العمل وحقوق الإنسان وقضايا السلام. يمارس الكتابة منذ يفاعته، ويجد نفسه مضطراً للكتابة بصدق عن المسائل ذات الاهتمام العام، ولا يهمه إن كان صوتاً منشقاً كما يصف نفسه.
منذ سفره إلى نيكاراغوا في عام 1987، ورؤيته تدخل الولايات المتحدة عن قرب، أصبح ضد التدخل الأمريكي في دول أخرى وضد التشهير بالآخرين لتبرير هذا التدخل. ووضع خلاصة رحلاته ومواقفه في هذا العمل، ليكون صوتاً رافضاً للتدخل الأمريكي العسكري في أي دولة أخرى بذرائع غير مبنية على أسس حقيقية. كما يركز على أهمية الدفع بالسلام في العالم ووقف الصراعات والحروب التي تزيد من المآسي البشرية.
ينشر في العديد من الصحف والمواقع الإلكترونية، ويدرّس حالياً مقرر حقوق الإنسان الدولية في كلية الحقوق بجامعة بيتسبرج في ولاية بنسيلفانيا الأمريكية.

زر الذهاب إلى الأعلى