مقالات عامة

الخيل.. «سُرَّ مَنْ رأى»

يوسف أبولوز

أجمل من الخيل أن تكون خيّالاً، ومثل المتنبي يعرفك الليل والبيداء والسيف والرمح والقرطاس والقلم.. وما أجمل منظر سفن جارية على وجه البحر، وخيول كثيرة بيضاء وسوداء وشهباء تعدو في مرج أخضر. و..«.. سُرَّ مَنْ رأى».. ومن رأى البحر الفيروزي الأزرق والمرعى الأخضر.
من بين أجمل المشروعات الثقافية في الإمارات مشروع «كلمة» للترجمة في أبوظبي الذي نقل إلى العربية التاريخ الطبيعي والثقافي للحيوانات في سلسلة أنيقة ومقروءة بتركيز ومحبة قالت عنها «الانديبندنت» إنها سلسلة جريئة ومذهلة، وأكثر من ذلك، فنحن لا نقرأ هنا فقط عن الحيوان تشريحاً وكائناً؛ بل، ونقرأ أيضاً الأساطير والشعر والسرديات الكلاسيكية التراثية التي أحاطت به.
الحصان موجود في الشعر والرواية والرسم والسينما، وفي الستينات والسبعينات من القرن الماضي كانت صالات السينما تمتلئ حتى أبوابها، إذا كان العرض تلك الليلة لفيلم «الكاوبوي» الأمريكي.. رجل وسيم دائماً بملامح حيادية قاسية وقبعة ومسدس يطلق النار على خصمه أو خصومه، فيرديهم قتلى. ويظل هو البطل دائماً.. «سوبرمان أمريكي» على صهوة حصان.
تحولت تلك الصورة السينمائية الأمريكية إلى نمط وعادة فقدت مع الأيام دخلها الفني والإنساني، فالحصان ليس للقتل والمطاردة.. إنه نحو شيء آخر جميل نجده في الكتاب الممتع الخفيف للكاتبة البريطانية «إلين ووكر.»..و«..الترجمة لرامي البيروتي».. وهنا ربما يمكن القول إن ما هو أجمل من الخيل أن تقرأ عنها إذا كنت لا تعرف امتطاءها.
تذكر لنا «إيلين ووكر» ترنيمة شكر للحصان من أساطير أيسلندا القديمة:.. وتقول الترنيمة:
«أنا ابن المرأة الفيروزية..//.. على قمة جبل بيلتيد..//.. حصان جميل..//.. نحيل كابن عرس..//.. لحصاني حافر كالعقيق المخطط..//.. شعر كاحله كريشة نسر بديعة..//.. قوائمه بسرعة البرق..//.. جسم حصاني كسهم بريشة نسر..//.. لحصاني ذنب كغيوم سوداء متعاقبة..».
من مقالات «ميشيل دومونتيني» تدلنا «إيلين ووكر» إلى هذا النص الصغير.. «..عندما امتطي صهوة الحصان فإنني لا أرغب في الترجل عنه أبداً، لأنني سواء أكنت مريضاً أم معافى أشعر بأنني أحسن حالاً في تلك الوضعية..».
هذا كلام أقرب إلى الشعر من الصعب أن يقوله «الكاوبوي» أما الروس في القيصرية التي ماتت خلالها الخيول، فقد كانوا يطعمون الحصان ويدللونه؛ لأنه يخدم الدولة والعسكر، وعندما يتقدم العمر بالحصان وهو يأكل العلف بلا وظيفة وبلا إنتاج يطلقون عليه الرصاص.. إذ يصبح عبئاً على اقتصاد الدولة.
التقط الروائي «جنكيز ايتماتوف» هذا العنف والتوظيف للحيوان في روايته «..وداعاً يا غولساري»، و..«غولساري» حصان روسي انتهت مهمته ووظيفته، وعندما أصبح يأكل علف الدولة أطلق عليه الرصاص.
«..سُرَّ مَنْ رأى..» لا يعرفها لا الأمريكان ولا الروس.. والتاريخ الطبيعي والثقافي للحيوانات بالنسبة إليهم ينتهي بانتهاء عمل هذه الحيوانات.. إما أن تحرم من العلف أو أن يطلق عليها الرصاص، وفي أحسن الحالات يرأف «الكاوبوي» وصديقه «القيصري» بالحيوان المسكين فيتركونه في إسطبل أو مزرعة تحرسها الكلاب.. وإذا أردت اقرأ التاريخ الطبيعي والثقافي للكلب.

yabolouz@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى