مقالات عامة

الرسوم متحركة والإبداع ساكن

عبد اللطيف الزبيدي

هل يدري خبراء التربية وعلماء نفس الطفل أن دقائق معدودة من الرسوم المتحركة المدبلجة في الفضائيات العربية تكفي لإعداد دراسة من مئة صفحة، تكشف آلاف الاهتراءات في الإنتاج المصوّب إلى الصغار؟ هو ذا حصاد دقائق.
النماذج الشائعة، أخنى على صناعتها الذي أخنى على لُبَد. قياساً على إبداع الروائع المتطوّرة، تبدو مثل خردة السيارات المعدومة. ألوان تصلح لتدوين بداية تاريخ هذا الفن. لكنها منّة ممنونة حين ينعدم الجديد، وتقفر ساحة الابتكار العربيّ. مشاهدوها أحسن حالاً ممّن ليست لهم شاشات، أو شاشاتهم بلا كهرباء، فللحروب التي تصنع الثورات قسراً لنشر الحرّيّة أحكامها. الأقدار اختارت لهم أن يولدوا في القرن الحادي والعشرين على أرض حضارات سادت ثم بادت.
الدبلجة هي الأسوأ ذوقاً وتمكّناً. أدوار أطفال يؤدي أصواتها كبار، قراءتهم للنص بلا روح وتلوين وتعبير، ليست لهم موهبة تقليد طرائق نطق الصغار. الأنكى هو التكلم على لسان الحيوان والطير، ما يتطلب مهارات فائقة. ثعلب يحاور وكأنه يقرأ نشرة أخبار بحياديّة الروبوت. مؤسسات الإنتاج تستعرض أسماء الفريق المدبلج والفنيّ في النهاية، تظهر «بطحة» السؤال على رأس المشاهد: أكلّ هؤلاء جعلوا الجبل يتمخّض فيلد فأراً هزيلاً يضحك من ذقون براعم العرب؟
في الرسوم المتحركة اليابانية وغيرها، التي صارت مثل جذوع الأشجار في تاريخ تطوّر العجلة، يبدأ الكارتون وينتهي بأغنية. هذه نكبة أخرى. تترجم الكلمات إلى نثر ركيك قواعده اللغوية ملويّة الأعناق. يردّدها الأطفال بفعل سماعها المتكرّر، يحفظونها، وهي لديهم ولا شك مقاييس ذوقيّة، ومعايير فنّيّة. تماماً مثلما يُبتلى الكبار بقراءة الرديء من الشعر المنثور المتناثر المتنافر المتعاثر المتكاثر كثرة صفريّة، بثوريّة أن الإيقاع وسلامة اللغة «دقّة قديمة» تجاوزها زمن ما بعد الحداثة.
هذا الإنتاج الذي يصاب به الجيل الصاعد، يلخّص البيئة العربية بصدق، ويعطي صورة كارثيّة التشويه: غياب الاستثمار في الإبداع الذاتيّ النابع من الهويّة والرسالة التي تقتضيها وتحملها، إكراه الصغار على أن تنشأ أذواقهم في سلال مهملات «خواجات» الشرق والغرب وتغييبهم عن الإبداع الحديث، وتطوّر التقانة المندمجة في الإنتاج الفنيّ، ما يجعلهم يحيون في الماضي المتخلّف. هؤلاء المنتجون أقلّ ما يقال فيهم إنهم لا يبالون بالتربية الإبداعيّة لأطفال العرب، ويسيئون إلى الشعوب والأوطان، لأنهم ارتضوا للأذواق الغضة أن تكون مصبّاً لرثّ البثّ الذي لا يحسنون حتى إعادة تدويره.
لزوم ما يلزم: النتيجة الفلسفيّة: النقائص الصغيرة، تدلّ على المعايب الكبيرة.
abuzzabaed@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى