مقالات عامة

الرقصة الأخيرة للديك القطري الذبيح

حبيب الصايغ

اللعب بالنار في زمن قابل للاشتعال لا يدل على سوية سياسية حكيمة، فكيف إذا سلك اللاعبون سياسة غير أخلاقية، ولا تضع في اعتبارها الأعراف والتقاليد والقيم؟ النظام القطري يلعب الآن في الوقت بدل الضائع، ويجند كل واجهاته السياسية وأبواقه الإعلامية في الصرخة الأخيرة الموجهة إلى جمهور مسرح مهجور، أو كأنها الرقصة الأخيرة للديك الذبيح، وفيما تؤكد الدول الأربع الداعية إلى مكافحة الإرهاب، أن مشكلة قطر صغيرة جداً جداً جداً، تبذل قطر كل ما في وسعها، خارج التزام الأخلاق، لإثبات أن أزمتها كبيرة وضخمة وهائلة، وتقلب من أجل ذلك الحقائق، في تناغم مقيت مع إعلام مسير يحاول صناعة الخبر، أبعد من نقله أو حتى تلوينه.
الحل في البيت الخليجي وفي الرياض، وتعول قطر على البيت الأبيض والرئيس ترامب، ويأبى ديك قطر الذبح وهو يرقص رقصته الأخيرة إلاّ أن يستمر في التناقض والقول المتخبط: ترامب عادل وقادر ورشيد حين يكون راعي القمة الخليجية الأمريكية، أو حين تكون واشنطن طرفاً في لجنة مشتركة أو صفقة سلاح، وفي ما عدا ذلك، فنظام قطر، ومن خلال تقاريره الإعلامية اليومية، يبشر بنهاية قريبة للرئيس الأمريكي. التناقض نفسه، مضاعفاً أضعافاً كثيرة، لدى تناول أزمة قطر، فكلما دعا النظام القطري إلى الصلح وطئ صفحة الماضي، على حد تعبيره، استشرس في الإساءة للأشقاء والجيران، خصوصاً دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية الشقيقة.
من الواضح أن قطر تسعى، من خلال قصة انقلاب 1996، إلى سرد يبرر في تصورها، تآمر الشيخ حمد بن خليفة على جيرانه، التآمر الذي يجسده، وهذا مجرد مثال، في أبشع صوره، التسجيل الصوتي الذي يكشف شططه ضد المملكة العربية السعودية وأسرتها المالكة، ولا شك في أن اختلاق وتضخيم قصة الانقلاب بهذه الصورة هو سعي يائس إلى تبرير ما لا يبرر. من المهم هنا الإشارة إلى محاولة زجّ اسم الراحل الكبير الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، في هذه القصة المضللة، بينما يؤكد شهود الحادثة، أن الشيخ زايد، وفي نسقه الأخلاقي المعلوم، حاول أن يصلح ذات البين، وأن يتدخل ليقبل خليفة بن حمد بالواقع الجديد الذي فرضه الابن، ولا بد من الإشارة هنا إلى رمادية مسألة الشرعية في هذا الفصل الملتبس من تاريخ قطر. الشرعية هي الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني، رحمه الله، الحاكم الذي تم الانقلاب عليه غدراً، هو الذي وضع ثقته الكاملة في ولي العهد ونائب الحاكم وقائد الجيش الذي لم يكن أميناً، أم أن الشرعية في الأمر الواقع الذي فرضه الابن المنقلب على والده؟ في هذا الفصل تبرز كذلك ملاحقة الابن لوالده بكل ما أوتي من قوة وسلطة، وصولاً إلى ملاحقته عبر «الإنتربول»، في تعميم يطلب فيه من دول العالم القبض على «المتهم المدعو خليفة حمد آل ثاني».
حمد بن خليفة أهان والده في حياته مراراً، وها هو يأبى إلاّ أن يهينه بعد موته على رؤوس الأشهاد، فأية نفسية، وأي أخلاق؟ وكيف يُؤْمِن شر من نذر عمره لإهانة أبيه الذي كرمه وجعله ولي عهده ونائبه وقائد جيشه؟
كل هذه الملابسات تجعل رواية «الجزيرة» تدين قطر أولاً وقبل غيرها، ففي الرواية الجديدة لم ينتبه السرد الرسمي المعدل إلى أنه «يشرعن» الانقلابات، ويجعل حاكماً شرعياً كان على مدى عقود منذ الستينات ولياً لعهد قطر ثم حاكماً وأميراً مجرماً ومطلوباً للعدالة لأنه سعى إلى تصحيح الوضع في بلده، إحقاقاً للحق من جهة، وربما لأنه تنبأ بالمقبل لقطر والخليج والمنطقة العربية على يد ولده، خصوصاً أن الابن العاق بادر منذ أول استيلائه على الحكم إلى اتّباع سياسته الشاذة، خصوصاً لجهة التعاون والاتصال مع ««إسرائيل»».
مفصل القول أن لدينا في دولة الإمارات الأدلة القاطعة على الموقف المشرف من انقلاب قطر 1996، ولدينا من الوثائق ومنها بلسان أو قلم الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني، رحمه الله، نفسه، ما يدحض الرواية القطرية المكذوبة جملة وتفصيلاً، وما ينشر حين يحين أوانه، توضيحاً للحقيقة وتوثيقاً للتاريخ.
تتوالى رقصة الديك القطري الذبيح فصولاً، حين تجيش قطر مرتزقتها لتشويه صورة دولة الإمارات والسعودية، وذلك عبر التحريض على قيادتي البلدين، مع زيارات بعضها تم وبعضها متوقع إلى أوروبا وأمريكا، والطامة الكبرى أن نظام قطر يجهل أو يتجاهل أن الأمر مفضوح ومكشوف، وهم لم يكشف إلاّ عن سقوط أخلاقي بلغ ذروته متجسداً في مرتزقة المال القطري، ممن تجمهروا هنا أو هناك، وممن لا يعتد بهم إلاّ في إضافة دليل جديد على فقدان قطر ونظامها للرشد والحكمة.
في رقصته الأخيرة، لا يتورع إعلام ديك قطر الذبيح، وعبر أحد مغرديه الرسميين الذين يحتضنهم نظام تميم ويرعاهم، عن وصف شعب الإمارات كله بأنه بلا أخلاق. نعم إلى هذه الدرجة وصل قبح نظام قطر الذي فقد بوصلته وعقله ورشده.
وفي رقصته الأخيرة، يتجلى واضحاً لكل ذي عين أو رأي، أن إعلام قطر يخدم الإمارات بل يقدم لها خدمات جليلة من حيث يريد النيل منها، فدولة الإمارات، كما يصورها إعلام الديك القطري الذبيح، حاضرة ومؤثرة في العالم، كل العالم، ولا يوجد حدث على وجه البسيطة، إلاّ ولدولة الإمارات وقادتها يد فيه. الإمارات موجودة، حسب نظام قطر، في الوطن العربي وآسيا وإفريقيا وأوروبا وأمريكا، ونحن نقول إن اسم دولة الإمارات حاضر على قمة الدنيا، وعطاء الإمارات حاضر، ونداء الإمارات للسلام والحق والعدل حاضر ومسموع، فمت يا نظام قطر بغيظك!
من طرائف ما يروى في إعلام الأسبوع أن مذيع «الجزيرة» أراد أن يفرض على أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وكبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات سؤالاً ملغوماً يشتمل على جواب محتمل كما توهم: كيف تتعاملون مع بعض الدول بشأن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، حيث إن هذه الدول تظهر في موضوع القدس غير ما تبطن؟
قال عريقات: قد تختلف الدول العربية في مسائل، لكنها تتفق جميعاً على مسألة القدس. وعاد المذيع الموتور ملمحاً ومصرحاً..
وهنا قاطعه المسؤول الفلسطيني: نعرف موقف المملكة العربية السعودية ظاهراً وباطناً، وقالت لنا الإدارة الأمريكية إن محمد بن زايد قال لهم إن القدس خط أحمر.
هنا «امتقع» وجه مذيع «الجزيرة» وازداد اصفراراً، وغير مسار الحوار.
قطر تنام وتصحو على ذكر الإمارات، وتصحو وتنام على ذكر محمد بن زايد، وكأنه مكتوب عليها في أحلامها وكوابيسها.
وقطر مشكلة صغيرة جداً جداً جداً بنظامها الذي نسي، أو في الأصح، تناسى كرم محمد بن زايد، ورهانه على «الأمير الشاب تميم» في أحلك وأصعب الأوقات، فيما صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، مشغول عنها وعن ترهاتها بما هو أهم وأعز وأمجد: أهمية وعزة ومجد دولة الإمارات، وتقدم وطن زايد، ونهضة شعب زايد.

habibalsayegh778@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى