قضايا ودراسات

العملية نجحت ولكن… !

عبدالله الهدية الشحي

يتكرر كل عام واقع حال الناس في الأسواق، وازدحامهم غير المبرر في متاجر بيع السلع الغذائية، وما يصاحب هذا من طوابير اصطفاف عند صناديق الدفع، وما يحدث من هرج ومرج بينهم وبين واقع ما تحوي محافظ نقودهم، ورصيد بطاقات مصارفهم، وهم يدفعون المبالغ النقدية، والوقت والجهد معاً، مقابل لزوم ما يلزم وما لا يلزم، دون مبرر يشفع لهم، يحدث هذا كل عام قبل حلول شهر رمضان الكريم بيوم أو يومين، ويمتد حتى صباح اليوم الأول منه، وقد يستمر إلى قبيل موعد الإفطار، والغريب في ذات الأمر تكرار ذات المشهد مع اختلاف قليل في بعض الأدوار، وبعض أبطاله ليلة العيد بالذات؛ حيث لا يحلو ولا يلذ التسوق إلا في تلك الليلة.
غريب أمر تكرار الازدحام والاكتظاظ في الأسواق كل عام ليلة حلول اليوم الأول من رمضان، وبعيد الإعلان عن رؤية هلال العيد السعيد، والأغرب من ذلك هو ذاك الشعور المتشح بنشوة الفرح، وألم الدفع عند من يكلف وضعه المالي ما لا يطيق، فيحاول من حيث يدري ولا يدري شراء كل ما يصادف من دون وعي وإدراك، فقد تكون بعض السلع التي قام بشرائها متوفرة في منزله، وقد لا يكون بحاجة إليها أصلاً، مع علم المشتري بأن هذه السلعة أو تلك لن تنفد من الأسواق، وأنها تتجدد في كل يوم.
يذكرني واقع حال من يصرفون راتبهم وكل ما ادخروا ليلة المناسبات الدينية والحياتية، وامتزاج شعورهم بنشوة الاقتناء فقط، أو الدفع الذي يفوق الحد المطلوب، فيأكل فرح الأيام التي تلي المناسبة هذه أو تلك، بحال من يسألون الطبيب بعد خروجه من غرفة العمليات، عن حال مريضهم، فيجيبهم الطبيب: بأن العملية قد نجحت؛ ولكن المريض توفي، فالفرحة القصيرة التي سمعوها أثناء قول الطبيب: العملية نجحت لا تكاد تسري في أول الشعور، ولا يقاس بعدها الزمني الذي لا يذكر البتة بحال ألم الفقد الطويل، الذي حدث جرّاء بقية العبارة الصادمة، التي اجتثت كل ما سبقها من جذر الجذور، ومن أقصى نخاع المشاعر.
يستمر بعضنا في اتباع نمط لا مبرر له، اللهم إلا الانسياق وراء القطيع بداعي مقولة: «حشر مع الناس عيد» فهم بهذا يؤمنون بالتكرار الذي يفتقد الرؤية والتأمل والقياس والاستنباط وإدراك قيمة التغير والتغيير، ويسعى بعضنا أيضاً للأسف الشديد لإثبات وجودهم؛ عبر المظاهر وتحميل واقعهم ما لا يطيق؛ حيث يحدث هذا تحت هاجس «حتى يقال» كي يقال عنهم كما قيل ويقال عن غيرهم الذين هو على شاكلتهم أو كما يقال عن الذين أنعم الله عليهم وأعطاهم من فضله الشيء الكثير، يحدث هذا وهم يقرأون
قوله تعالى : «بَلِ الْإنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَة».

aaa_alhadiya@hotmail.com

زر الذهاب إلى الأعلى