قضايا ودراسات

الكهف والوردة

يوسف أبولوز

قبل أيام عرضت إحدى الفضائيات العربية صوراً حية لعائلة سورية تعيش في كهف بعدما هرب الأب بأولاده من القتل البربري في بلاده، وأظهرت الصور أطفال العائلة وهم في ذروة براءتهم وجمالهم النظيف في كهف.
ليست هذه هي المرة الأولى التي يسوق فيها الإعلام قصصاً وتقارير عن بشر يعيشون في الكهوف في القرن الحادي والعشرين، وأغلب هذه القصص أبطالها سوريون، وبالطبع، هناك من هم سكان كهوف من عائلات عربية أخرى وجدت أنها خارج الحضارة البشرية حتى في أدنى مستوياتها أي العيش في مغارة على كل ما هو بدائي وحجري: النور، والنار، الآنية، الأكل، النوم، الاغتسال، قضاء الحاجة.. وإلى آخر يوميات الإنسان العادي.
قبل نحو شهر قرأت خبراً عن رجل هندي اختار العيش في كهف، وبالمتطلبات الكهفية الأقل من بسيطة، وبمحض إرادته بعيداً عن المدينة وصخبها وجنونها المتمثل في الأصوات العالية، وقد تمكن من تربية نفسه على الزهد والتقشف مستلهماً أرواح المتصوفة، وأعرف شاعراً يعيش في الجبال وسط حقل من التفاح وحيداً بعيداً عن المدن، وحياته أقرب ما تكون = شعرياً = إلى حياة رجل يعيش في كهف.
فرق كبير بين أن تعيش في كهف وأنت ابن ثقافة الكمبيوتر اليوم بمحض إرادتك ومزاجك، وأن تعيش في كهف مدعوساً عليك بجزمة إرهابي أياً كان نوع هذا الإرهابي الذي يجرك جراً من بيتك وأهلك ومدينتك ويجبرك على أن تسكن في كهف.. في الحالة الأولى أي بمحض الإرادة تنطبق عليك صفة الباذخ الذي شعر بالملل من حياة البيوت فاختار الكهوف، وفي الحالة الثانية مثل وضع تلك العائلة السورية أو أية عائلة عربية أو غير عربية مشابهة لها، فأنت مجبور جبراً قسرياً إكراهياً على حياة الكهف.
إن كل ما سبق هو في حقيقة هذه المقالة مجرد انتباهة لغوية إنشائية متداولة في الكثير من المقالات الصحفية التي يذكر كتابها أن بعض الأنظمة الديكتاتورية الطغيانية على أساس مذهبي طائفي سوف تعيد أو هي مصممة على إعادة شعوبها إلى عصر الكهوف، وقد كان الكثير من القراء يعتبرون أن مثل هذا الكلام فيه أقصى حد من المبالغة والتهويل إلى حد التجني.
على أرض الواقع اتضح أن الكتاب الصحفيين وغير الصحفيين الذين يستخدمون عبارة العودة إلى الكهف أو العودة إلى المغائر وعصر الحجر هم على حق، ولم يكتبوا أية إنشائيات أو لغويات شعرية.. والدليل على ذلك صورة تلك الطفلة السورية الجميلة التي ملأت كهف أبيها بزراعة الأعشاب والزهور.. بخاصة الياسمين الذي هو أحلى زهور دمشق.

y.abulouz@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى