قضايا ودراسات

اللحظة غير المناسبة في مشروع استقلال كردستان

عاطف الغمري

ربما تكون أزمة إعلان استقلال إقليم كردستان عن دولة العراق، قد تجمدت ودخلت مرحلة التهدئة، بعد ما أشار رئيس حكومة كردستان السابق مسعود البرزاني، عن نيته التفاوض مع حكومة بغداد، حتى لو استغرق الأمر عامين، وذلك قبل أن يعلن تخليه عن منصبه وتوزيع سلطاته على المؤسسات التنفيذية والتشريعية والقضائية، بعدما فشل في تحقيق ما أراده من استفتاء الإنفصال.
ويبدو أن تحديد مدة العامين جاءت بصورة غير مباشرة من قوى دولية، أرادت تفادي انفجار إقليمي في هذه الظروف بالذات، التي لم تكتمل فيها خطط القضاء على تنظيم «داعش». وهو ما عرف عن تقدم السفير البريطاني فرانك بيكر، والمبعوث الأمريكي المختص بترتيبات الحرب على «داعش»، بريت ماكجورك، باقتراح بديل بإرجاء خطط استقلال كردستان عامين، لحين قيام دولتاهما بجهود للوساطة مع بغداد، وإن كانت تفاصيل اقتراحهما طيّ الكتمان، ولم يعلن عنها.
ومن الواضح أيضاً أن قبول البرزاني إرجاء خطته، يندرج تحت ما يعرف في علم السياسة، باختيار اللحظة المناسبة، قبل إعلان أي قرار سياسي مهم وحيوي. وكما تشير الظروف المحيطة بهذا القرار، فإنه لم يكن متوافقاً مع وضع اللحظة المناسبة، وأنه ووفق هذه الظروف، هو مدخل إلى سلسلة من المشاكل، بدلاً من أن يحل مشكلة.
إن مشكلة سعي البرزاني لإعلان استقلال كردستان، ليست وليدة اليوم، لكنها حلم قومي، لم يفارق الأكراد يوماً، منذ خذلان القوى الغربية لهم، عندما استبعدت بعث دولتهم القومية، وهي تعيد رسم حدود الشرق الأوسط، عقب نهاية الحرب العالمية الأولى، وتركتهم يتوزعون بأعدادهم التي تقدر بثلاثين مليوناً، على أربع دول هي: تركيا، والعراق، وإيران، وسوريا. وفي كل هذه الأرجاء، ظلوا متمسكين بقوميتهم ، وتاريخهم ولغتهم، وثقافتهم، وتقاليدهم، بل ولباسهم الوطني المميز.
ولم يسلموا من بطش سلطات البلاد التي ينتمون إليها، كلما سعوا لاستعادة حلمهم القومي. لكن دورهم عاد يبرز في أحداث السنوات القليلة الماضية، وعن طريق دور قوتهم العسكرية المدربة جيداً (البيشمركة)، خاصة في قتالهم ضد تنظيم «داعش» وتقليص مساحة تواجده في سوريا، والدور الذي لعبوه في تحرير الموصل في العراق.
هنا، يقفز معنى اختيار اللحظة المناسبة. وكل المؤشرات تدل على أن قرار استقلال كردستان، سيكون مدخلاً إلى انفجار فوضى إقليمية، لا تنحصر عند الحدود الجغرافية للعراق، خاصة إذا رجعنا إلى تاريخ تعامل كل من تركيا، وإيران، بمنتهى الشراسة والعنف مع أي سعي من جانب الأكراد للانفصال، أو حتى لنيل الحكم الذاتي. وحين أعلن البرزاني مشروعه للاستفتاء على استقلال الإقليم، هددت كل من تركيا وإيران بأعمال عسكرية وحصار، وإجراءات أخرى في مواجهة الإقدام على تحويل هذا الاتجاه إلى واقع.
ولعل أكثر ما يثير قلق الدول العربية، على وجه الخصوص، أمران، الأول أن انفصال كردستان عن العراق ليس وليد اللحظة، لكنه جزء من مشروع سبق أن ترددت تفاصيله في الغرب، لتفتيت العراق إلى ثلاث دويلات، كردية، وشيعية، وسنية.
وما نشر عن خطط عسكرية وسياسية في الولايات المتحدة تحديداً، من أن إدخال المنطقة في انقسامات وصراعات طائفية وعرقية، هو الطريق إلى الفوضى التي تسهل تنفيذ مشروع إعادة رسم حدود دول المنطقة، بصورة جديدة تتفق مع مصالح الغرب، و«إسرائيل» في الوقت نفسه.
الأمر الثاني، أنه لا يخفى على أحد الأطماع الإقليمية لكل من إيران وتركيا، في اقتحام مساحات من العالم العربي، والسيطرة عليها، وفق خطوط الاستراتيجية الإقليمية لكل منهما، وهي أطماع تشاركهما فيها «إسرائيل»، ومن الزاوية نفسها. ومما لا شك فيه أن إشعال الفوضى هو مطلب يهيئ لإيران وتركيا، الإسراع باستغلال ظروفها، لتحقيق أهداف معروفة لدى كل منهما.
معنى ذلك كله أن نيران الفوضى الشاملة حين تشتعل فلن تراعي في هذه الحالة المطلب الذي سعى إليه البرزاني باستقلال كردستان العراق، فهي ستكون في خدمة قوى أخرى خارجية، هي التي خططت منذ سنوات، لتقسيم وتفتيت المنطقة، عن طريق الفوضى، والعنف، والصراعات الطائفية، وليس لمصلحة طرف، يبدو أن كل ذلك، كان غائباً عن حساباته، عندما اختار اللحظة غير المناسبة.

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى