جديد الكتب

اللعبة الطويلة على طريق الحرير

تأليف: إس فريدريك ستار وسفانتي إي. كورنيل

عرض وترجمة: نضال إبراهيم

عانت السياسات الأمريكية والأوروبية تجاه دول آسيا الوسطى والقوقاز، عقبات مفاهيمية وهيكلية، فكان فيها من التناقض وعدم التنسيق الكثير. يتبنى مؤلفا الكتاب هدف تعزيز حقوق الإنسان، والديمقراطية في هذه الدول، والابتعاد عن الأساليب العدائية، ويشددان على أهمية أن تصبح هذه المنطقة بدولها الثماني دولاً علمانية متقدمة، ونموذجاً للعالم الإسلامي بأسره.

بعد مرور أكثر من ربع قرن على نيل استقلالها من الاتحاد السوفييتي، سارت سياسات دول آسيا الوسطى، وجنوب القوقاز، وفق اتجاه معين، وكانت تُسمى سابقاً المنطقة «الجنوبية» من الاتحاد السوفييتي السابق، ولتحديدها هذه الدول، وفق ترتيبها من الغرب إلى الشرق؛ هي: جورجيا، أرمينيا، أذربيجان، كازاخستان، تركمانستان، أوزبكستان، قيرغيزستان وطاجيكستان. يتساءل الكتاب عن تأثير السياسات الأوروبية والأمريكية على هذه الدول، خاصة أن القادة الغربيين فهموا، دون شك، مقدار التطورات، التي تحدث على مرأى منهم، وأن هذه التغيرات الكبيرة، فرضت عليهم استراتيجيات رشيدة، وبعيدة المدى.

يقول الكاتبان: «بعد أكثر من 25 عاماً، من الإنصاف؛ لتقييم نتائج السياسات، التي تبنتها، وأيضاً أخذ نظرة جديدة على الافتراضات، التي قامت عليها. هل السياسات المعمول بها خدمت المصالح الأمريكية والأوروبية؟ إذا لم تكن كذلك، كيف يمكن تحسينها؟ وفوق كل هذا وذاك، بعد ما يزيد على ربع قرن، هل أصبحت هذه الدول أكثر أم أقل ارتباطاً بالمصالح الغربية؟

يقترح الكتاب، أن تعمل الحكومات الغربية مع دول آسيا الوسطى والقوقاز بدلاً من العمل ضدها؛ وبدلاً من التركيز بشكل مباشر على الأنظمة السياسية، ينبغي أن تركز السياسات على تطوير نوعية الحكم، والمساعدة في بناء المؤسسات، التي ستكون لبنات حكم القانون والديمقراطية على المدى الطويل. كما يجادل بأن القادة الغربيين فشلوا إلى حد كبير في إدراك أهمية هذه المنطقة، فأسقطوها إلى مرتبة ثانوية، وبالتالي أضروا بالمصالح الغربية.

إن تطوير الدول ذات السيادة، والمتمتعة بالقوة الاقتصادية، والمؤثرة في القوقاز وآسيا الوسطى يعد هدفاً مهماً بحد ذاته.

أهمية متزايدة

هذه الدول؛ وبسبب خصائصها الجوهرية، والتطورات الحاصلة في محيطها، فهي تهمّ أمريكا وأوروبا اليوم أكثر مما كانت عليه قبل 25 عاماً. في الوقت، الذي تختلف فيه هذه الدول عن بعضها، إلا أن القواسم المشتركة، والارتباطات بينها كافية؛ لتدفع أمريكا وأوروبا إلى إقامة علاقات إقليمية وثنائية أيضاً. وفي الوقت، الذي ولّدت فيه السياسات الغربية نحو هذه الدول، إنجازات مدهشة، إلا أن الأخطاء الهيكلية والمفاهيمية أعاقتها وقلّصتها. هذه الأخطاء سبّبت للغرب سوء تعامل مع بعض الفرص، وفقدان بعضها الآخر. وكنتيجة لذلك، بدأ الغرب يدرك الإمكانية الكاملة لإقامة علاقات إيجابية بين الغرب ودول المنطقة.

أصبحت هذه الدول الثماني قادرة على الانخراط في المسرح العالمي سواء من الشرق أو الغرب، وجيرانها من كل اتجاه؛ ولأنها تعد دولاً صغيرة الحجم بشكل نسبي ومحاطة بأكثر الدول نفوذاً في القارة الأوراسية، كانت مهمة فرض سيادتها بشكل فعلي، وليس فقط على الورق، تحدياً كبيراً لها. كما أنها تواجه التحدي العام؛ بعدم وجود منفذ بحري لها، ما يعقّد بشكل كبير ارتباطها مع بقية العالم. وكذلك تواجه تحدياً آخر يتمثل بتجاوز بقايا النظام السوفييتي، وتأثيره الطويل على ذهنية المواطنين في الدول الجديدة.

يعلق الكاتبان: هذه الحقائق وحدها تبرّر معاملتنا للقوقاز، وآسيا الوسطى، وللاثنين معاً، كمنطقة. نعتقد أن السياسة الخارجية الغربية، يجب أن تفعل ذلك أيضاً، وإدراك حقيقة أن المصالح الغربية في هذا الجزء من العالم هي إقليمية في طبيعتها، وليست ثنائية بشكل بحت في طابعها.

ويسألان: هل يشهد بحر قزوين خطاً من الانقسام بين الدول في شرقها وغربها؟

في الواقع، هذا البحر الداخلي يوحّد الدول بقدر ما يفرقها عن بعضها. دون القوقاز، ستكون آسيا الوسطى محاطة بالكامل بقوى أكبر حتى من أكبر الدول الإقليمية؛ والقوقاز يستقي الكثير من أهميته الحالية؛ كونه الجزء الغربي من ممر نقل يمتد عبر قزوين إلى قلب آسيا.

استثمار الموارد

منذ الأزمة المالية العالمية في 2008، مرّت أمريكا وأوروبا بانعطافات داخلية، وعانت حكومات بلدانها عجزاً عميقاً في الميزانيات، وهذا دفع بالقادة الغربيين إلى مسألة استثمار الموارد، والاهتمام بالمناطق البعيدة من العالم. صحيح أن الولايات المتحدة تحت حكم الرئيس باراك أوباما أعلنت» الاستدارة نحو آسيا«؛ لكن هذا لم يؤتِ أُكله، وفي كل الأحوال أبعد آسيا الوسطى من تعريف» آسيا«. في الوقت نفسه، اقترح توجيه اهتمام الدولة، والموارد، بعيداً عن المناطق الخارجية، التي تعاني مشكلات، لأجل التركيز على» بناء-الدولة«في الداخل.

ومنذ»بريكست«، كان الاتحاد الأوروبي يشهد ضغوطاً مماثلة. يتساءل المؤلفان: بالنظر إلى هذا، ما مكان هذه الدول الصغيرة في سياسات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة؟

يتجاوز الكتاب في طرحه أهمية دول القوقاز وآسيا الوسطى مسألة الموارد المالية؛ بل مسألة القيادة هناك، وتوضّح ذلك خلال الحرب في جورجيا في 2008. فالقوى الغربية، وهي في وسط أزمة مالية عميقة، انتهى بها الأمر إلى دفع فاتورة بقيمة خمسة مليارات؛ للتعامل مع نتيجة الصراع. يقول الكاتبان: إذا قامت هذه الدول (الغربية) بدور قيادي قبل فترة من ذلك؛ فإنه كان بإمكانها أن تمنع حدوث صراع، وكانت التكاليف أقل بكثير.

يذكر المؤلفان: تكمن أهمية القوقاز ودول آسيا الوسطى في موقعها الجغرافي بالغ الأهمية، فهي كدول صغيرة محاطة بالقوى الصاعدة: روسيا، الصين،

الهند، باكستان، إيران، وتركيا. مع عدد سكانها القليل، ترحب هذه الدول بوجود غربي من شأنه أن يساعدها على خلق التوازن أمام نفوذ هذه الدول المحيطة بها، كما تساعدها بدرجة معينة، على خلق شراكة مع الغرب. وتتجلى أهميتها في كونها على مفترق الشرق والغرب، وطرق التجارة والنقل بين الشمال والجنوب.

تحديات

يشير الكاتبان إلى أنه: على منطقة القوقاز وآسيا الوسطى، أن تكون من العناصر الأساسية لأية قوى غربية؛ بهدف ضمان الوصول إلى الطاقة والتجارة؛ وفرض الأمن إلى قلب الأراضي الواسعة لأوراسيا، وما بعدها في كل اتجاه. كما أن المنطقة تشكل تحدياً للتحالفات الدولية أمام المدّ الروسي التوسعي والراديكالية الإسلامية في الشرق الأوسط.

هذان التحديان يعيدان بشكل أساسي تشكيل البيئة الأمنية بالنسبة لجنوب وشرق أوروبا؛ فمنطقة القوقاز وآسيا الوسطى من نقاط الضغط المهمة والحساسة للمسألتين. وتتطلب مواجهة الإمبريالية الروسية الجديدة بقيادة بوتين استراتيجية صارمة في دعم الدول، التي تقع في الخاصرة الجنوبية لروسيا. وفي الوقت نفسه، تشكل هذه الدول نصف الدول ذات الغالبية المسلمة في العالم المحكومة بأشكال حكومات علمانية. ربما تمضي هذه الدول بعيداً من ناحية التطور الديمقراطي؛ لكن من المهم، أن تلتزم حكوماتها وسكانها بفصل الدين عن الدولة، والالتزام بالقوانين العلمانية والمحاكم، وحماية مواطنيها من الإملاءات الدينية، التي تؤثر في حقوق الإنسان الأساسية. بالتالي يمكن القول: إن دول القوقاز وآسيا الوسطى هي حصون في وجه روسيا والراديكالية الإسلامية في الشرق الأوسط.

إن المنطقة المحيطة بالقوقاز وآسيا الوسطى، تشهد فوضى كما في سوريا، وهناك أزمة في تركيا، وفوضى ناتجة عن تعميق الأزمة الاقتصادية في روسيا، والنمو غير المتوقف للصين حتى الآن، أو مستقبل باكستان المسلحة نووياً، وهذه فقط هي بعض التطورات المحتملة، التي تفرض على الغرب أن تولي آسيا الوسطى والقوقاز ما يكفي من الاهتمام.

بعد الهجمات الإرهابية على نيويورك في 11 سبتمبر/أيلول، 2001، واجهت الولايات المتحدة تحدياً لوجستياً هائلاً بشأن شنّ حرب في قلب أوراسيا؛ حيث تبعد آلاف الأميال عن القواعد العسكرية الأمريكية الأقرب. كان تعطيل حركة»طالبان«و»القاعدة» في أفغانستان يعد أمراً ممكناً فقط؛ لأن الولايات المتحدة كانت قادرة على تسليم الناس والمعدات عبر القوقاز وآسيا الوسطى؛ عندما زادت الولايات المتحدة عديد قواتها في أفغانستان؛ بعد عقد من الزمن، عبر الممر القوقازي، فذلك يعني أن قوات الناتو لن تكون معتمدة على باكستان فقط أو طريق شبكة التوزيع الشمالية عبر روسيا. أهمية هذا الزيادة برزت في أوائل 2014 على الأقل في مناسبتين؛ عندما منعت روسيا القوات الجوية الألمانية من استخدام النطاق الجوي الروسي لإمداد قواتها العسكرية في أفغانستان، كما أن الانهيار الأخير للعلاقات الروسية-الأمريكية سوف يجعل، من دون شك، الممر القوقازي مرة أخرى عنصراً حاسماً في أي حضور غربي مستقبلي في أفغانستان.

شريان النظام

ما وراء القلاقل المباشرة للولايات المتحدة وأوروبا، تظهر دول آسيا الوسطى والقوقاز كشريان رئيسي للنظام الصاعد للتجارة القارية عبر البر بحسب الكاتبين؛ حيث يقولان: الآن، أغلب التجارة من الشرق إلى الغرب بين الصين، والهند، وأوروبا تتم عبر البحر والجو؛ لكن الطرق البرية عبر أوراسيا تقدّم خياراً ثالثاً أرخص من السفر الجوي وأسرع من الطرق البحرية. هذا الخيار، من المحتّم أن يصبح حاسماً في مسألة الشحن متوسط الحجم في الاتجاهين، وضمان توسعها أمام الطرق البرية الهندية، التي ستفتح خلال العقد المقبل. كما في حالة شبكة التوزيع الشمالية؛ حيث ممر القوقاز-آسيا الوسطى هو ليس مجرّد طريق؛ بل هو من أفضل الطرق؛ لضمان أنه لا روسيا ولا إيران ستمارسان احتكاراً على طريق النقل بين الشرق والغرب.

ويرى المؤلفان أن الدول الإقليمية أيضاً سبق وأن قامت باستثمارات مهمة في السكك الحديدية، والطرق البرية، ومنشآت الموانئ. مع فتح هذه الطرق الجديدة، واعتماد الاقتصادات الكبرى عليها، سنجد أن أي زعزعة في الاستقرار أو نشوب صراع في القوقاز وآسيا الوسطى، سيشكل تهديداًَ ليس فقط على شركات الغاز والنفط الإقليمية والغربية الكبرى فقط؛ بل أيضاً على المنتجين الهنود والصينيين.

على العموم أصبح من الواضح أن الغرب له مصلحة استراتيجية وجدية في ضمان طرق نقل البضائع والطاقة المفتوحة، ومنع أية جهة من إعاقة ذلك النظام المفتوح. إن فشل هذه الدول الثماني في التطور كدول مستقلة، ومكتفية، وبإدارة جيدة، وبحكم ذاتي، فإن ممرات النقل سوف تصبح في أيدي روسيا أو إيران أو الصين.

يخلص الكتاب إلى أن مصالح الغرب في القوقاز وآسيا الوسطى تكمن في ثماني نقاط هي التالي:

* تعزيز تطوير هذه الدول لتشهد الاستقرار، والتمتع بالسيادة، والحكم الذاتي، وتكون متحرّرة من التحكم بالقوى المجاورة، والتعاون بشكل نشط مع الحكومات والمؤسسات الغربية في إطار الاقتصاد، والأمن الإقليمي، ومكافحة الإرهاب، وحلّ الصراع.

* وضع الصراعات الموجودة في المنطقة على طريق حل سلمي طويل المدى، ضمن إطار القانون الدولي، وبتلاعب ضئيل من قبل القوى الخارجية.

* في بيئة جغرافية تضم إيران الثيوقراطية، إضافة إلى العراق، وشمال القوقاز، وتركيا، وباكستان، من المهم أن تكون دول آسيا الوسطى والقوقاز الثماني منطقة دول علمانية محكومة بقوانين علمانية ومحاكم وتعليم علماني حديث.

* تمكين دول هذه المنطقة من التطور بشكل تدريجي؛ لكن بشكل ثابت؛ بحيث تصل إلى امتلاك قرارها السيادي، وترسيخ القانون، الذي يحترم حقوق الإنسان، والقضاء على الفساد، وتلبية احتياجات المواطنين والعمل وفق مصالحهم.

* تمكين هذه الدول الثماني ومواطنيها إلى درجة يستطيعون فيها تمني القيام بتشارك القيم الأورو-أطلسية في الحوكمة، المعلومات، التعليم، الثقافة، وحقوق الإنسان، وبطريقة يصبحون فيها نموذجاً لجيرانها وغيرها من الدول.

* العمل مع الدول الإقليمية؛ لتمكينها من القيام بإمداد الطاقة إلى أوروبا، بالتالي تنوع مصادر إمدادات الطاقة الأوروبية.

* جعل ممرات البحر الأسود، والقوقاز، وبحر قزوين ممرات نقل موثوقة من دون عراقيل سواء عن طريق البر أو البحر أو الجو بين أوروبا/أمريكا وآسيا الوسطى وشرق آسيا وجنوب آسيا.

* جعل ممر الاستيراد والتصدير بالنسبة للاتحاد الأوروبي، والصين، والهند غير محكوم بأي منها؛ بل ضرورة أن تسعى كل هذه القوى إلى حمايتها بشكل جماعي.

نبذة عن المؤلفين

* سفانتي إي. كورنيل بروفيسور سويدي متخصص في دراسات السلام والصراعات الدولية. يشغل موقع مدير معهد سياسات الأمن والتنمية، وأحد مؤسسيها في استوكهولم.

* إس. فريدريك ستار بروفيسور أمريكي يشغل موقع رئيس معهد آسيا الوسطى والقوقاز، وبرنامج دراسات طرق الحرير في معهد سياسات الأمن والتنمية في استوكهولم.

زر الذهاب إلى الأعلى