قضايا ودراسات

اللوحة التي مزقت نفسها

سوسن دهنيم

ربما يكون الحدث الأكثر تداولاً في وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام التقليدي في المجال الثقافي وتحديداً الفني، هو لوحة الفنان غامض الهوية «بانكسي».
عندما أعلن مدير المزاد عن بيع لوحة «فتاة تحمل بالوناً» بمبلغ 1.4 مليون دولار أمريكي تقريباً، ومع سقوط المطرقة على المنصة معلنة إتمام البيع، سُمِع صوت آلة تمزيق الورق مسبوقاً بصوت جهاز إنذار من ركن الغرفة، ليشاهد الجمهور اللوحة وقد تمزقت لشرائط حتى منتصفها! قد يبدو الأمر للوهلة الأولى مجرد مزحة ما لم يُعرف أن صاحب هذه اللوحة هو بانكسي نفسه، الفنان المشاكس الذي طالما أثار الجدل.
فقد نجح في العام 2005 بوضع إحدى لوحاته في متحف «المتروبوليتان» في نيويورك، لتبقى في مكانها لساعتين، من غير أن تلفت انتباه أحد في المتحف، وهو نفسه من وضع إحدى لوحاته في المتحف البريطاني لثلاثة أيام من غير أن ينتبه لوجودها عمال المتحف، بعد أن أرفقها برقم تسلسل، وهو نفسه الفنان الذي تباع لوحاته بأسعار مرتفعة تصل إلى المليون ونصف المليون تقريباً، وهو مجهول الهوية لم تظهر له صورة قط أو اسم حقيقي في أي مكان!
وبالعودة إلى اللوحة الممزقة ذاتياً، كتب الفنان في حسابه على «إنستجرام» بعد تمزق اللوحة: «ها هي تضيع، تضيع، تضيع، وأعلن في تصوير له أن الإطار كان يحمل جهاز تقطيع الورق بشكل مخفي».
وبغض النظر عما إذا كانت هذه الحركة مرتبة من قبل بين الفنان وأصحاب المزاد، أو إذا ما كانت هذه اللوحة هي مجرد نسخة، أو أن هذه الحركة بمجملها مجرد مزحة، إلا أن ما قام به هذا الفنان يعتبر تسويقياً من الدرجة الأولى؛ إذ أخذ الموضوع مداه الممتد إعلامياً، إضافة إلى أن بعض المحللين توقعوا زيادة سعر اللوحة بعد ما حدث، وهو ما أوردته بعض وكالات الأنباء والصحف، علماً بأن هوية المشتري ما زالت مجهولة حتى كتابة هذا المقال.
وبعيداً عن «بانكسي» ولوحته، فإن بعض الفنانين والمبدعين في شتى المجلات، يتفننون في تسويق إبداعاتهم بشكل يضمن لهم حضوراً دائماً في الإعلامين التقليدي والحديث، بينما يعمل آخرون في الظل غير آبهين بالأضواء وغير مكترثين بضرورة الحضور إعلامياً، وهو ما أبرز الكثير من الأسماء غير ذات الأهمية في المجال الإبداعي، سواء الشعر أو الأدب أو مختلف الفنون البصرية والموسيقية والتمثيل، كما أبرز أعمالاً فوجئنا بمستواها الحقيقي عند قراءتها أو مشاهدتها، بينما بقيت بعض الأعمال الإبداعية الحقيقية مكدسة على رفوفها وحيدة في صالات العرض، لا يلتفت إليها إلا من لا يهتم بالدعاية وزيفها.
من المهم أن يسوق المبدع لاسمه، ولكن الأهم أن يكون العمل نفسه قادراً على تسويق نفسه، وكما قيل: «إن خير دعاية للمنتج هو المنتج نفسه».

sawsanon@gmail.com

زر الذهاب إلى الأعلى