قضايا ودراسات

المسح على الدّلاغ (1-2)

د. عارف الشيخ

هناك ظاهرة انتشرت بين الناس اليوم وهي مسح الرجل أو المرأة على الدّلاغ (الجورب) بدلاً من غسل الرجل في الوضوء، بحكم مشقة خلع الدّلاغ أو الجوتي.
والحقيقة أنه لم يُفتِ أحد بجواز مثل هذا العمل لأن المسح على الخفين غير المسح على الدّلاغين، والمسح عموماً له شروط وضوابط فقهية معينة وهي ليست بالرأي.
أقول: ربما هؤلاء سمعوا بالحديث الذي رواه المغيرة بن شعبة: «أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على جوربيه ونعليه»، (رواه أحمد وأبو داوود والنسائي)، والحديث حسن صحيح.
لكن الإشكالية في أن المسح على الجورب يحتاج إلى شرح وتفصيل نظراً لأن الجورب الذي يسمى اليوم بالدّلاغ أو الشراب لا تنطبق عليه شروط الجورب الواردة في كتب الفقه.
فلو قرأنا كتب الحنفية لوجدنا أن فقهاء الأحناف اشترطوا أن يكون الجورب ثخيناً يمكن متابعة المشي عليه مسافة فرسخ، ويثبت على الساق بنفسه، وهذا الشرط لا يتحقق إلا إذا كان جلداً، والفرسخ عند الأحناف يعادل 5565 متراً، (أنظر الدر المختار ج1 ص 269).
نعم وذكر الدكتور وهبة الزحيلي رحمه الله تعالى ما يؤكد ذلك وقال في نهاية كلامه: «وأن لا يرى ما تحته» أي: إذا كان خفيفاً وشفافاً مثل جوارب زماننا فلا يصح المسح عليه (أنظر الفقه الإسلامي وأدلته ج1 ص 344).
والمالكية اشترطوا أن يكون الجورب المراد المسح عليه مجلداً أي: مصنوعاً من الجلد بحيث يمكن المشي عليه، وقد ورد عن الخليل في كتابه: «رخص لرجل وامرأة وإن كانت مستحاضة بحضر أو سفر مسح جورب جلد ظاهره وباطنه». (أنظر مختصر الخليل ص 126)، وبناءً على هذا فإنهم لا يجيزون المسح على الجوارب الموجودة اليوم.
والشافعية ذكروا عدة شروط للمسح على الخفين فقالوا: «لكي يصح له المسح على الخفين، يجب أن يلبسهما بعد تمام الطهارة، وأن يكون الملبوس نفسه (الخف) طاهراً، وأن يكون ساتراً لمحل الغسل وهو القدمان حتى الكعبين، وأن يكون الملبوس قوياً يمكن متابعة المشي فيه من غير حاجة إلى حذاء، وأن يمنع نفوذ الماء إلى القدم لو صبّ عليه».
لذلك قال الإمام النووي: «الصحيح من مذهبنا أن الجورب إذا كان صفيقاً يمكن متابعة المشي عليه جاز المسح عليه وإلاّ فلا»، (انظر المجموع ج1 ص 564).
وواضح من هذا القول وضوح الشمس أن جواربنا (الدّلاغات) لا تتوافر فيها المواصفات الشرعية.
وهكذا قال الحنابلة أيضاً عندما قالوا بجواز المسح على الجورب، أي أنهم أرادوا بذلك الجورب القوي الثخين الذي يمكن متابعة المشي فيه، إلا أنهم لم يشترطوا أن يكون الجورب من الجلد، بل يكون قوياً للمشيى وساتراً لا يسمح بنفوذ الماء إلى الداخل، (أنظر الشرح الكبير لابن قدامة ج1 ص 281).
أقول: وربما يبني الناس اليوم عملهم على ما فهم بعضهم من أقوال الحنابلة الذين اشترطوا أن تكون الجوارب صفيقة، وقد قال ابن قدامة الحنبلي: «والصفيق الذي لا يسقط إذا مشى فيه». وقد قال أحمد: «لا يشترط في المسح على الجوربين أن يكون بنعل إذا كان يمشي فيهما».
لكن واضح من قول أحمد أن الجورب الموجود في زماننا وإن كان لا يسقط مع المشي، إلا أنه لا أحد يمشي بالجورب من غير نعل، اللهم إلاّ في البيت، فأين المسافات التي اشترطها الفقهاء؟ وللحديث بقية..

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى