قضايا ودراسات

المسح على الدّلاغ (2-2)

د. عارف الشيخ

في المقال الماضي تحدثنا عن الظاهرة المنتشرة في هذه الأيام، وهي أن كثيراً من الناس ولا سيما الذين يدعون اتباع مذهب السلف الصالح، عندما يدخلون المراكز التجارية أو إذا خرجوا من بيوتهم عموماً، كلما حان موعد الصلاة توضأوا بغسل اليدين والوجه واليدين إلى المرفقين ثم المسح على الرأس.
إلا أنهم بدلاً من أن يغسلوا القدمين إلى الكعبين يمسحون على الدّلاغ (الجورب) ويدعون أن ذلك جائز للمشقة، وقد بينا في المقال أن المذاهب الأربعة المعتمدة لم تجز المسح على الجوربين إلاّ بشروط.
وتلك الشروط لا تتوافر في الدّلاغ الموجود في زماننا، سواء سميناه دلاغاً أو شُراباً أو جورباً أو غير ذلك، ففي الزمن الذي شرع فيه المسح على الخفين كان الجورب عند الجمهور ما كان مصنوعاً من الجلد ويلبس داخل النعل، وإذا مشى من غير نعل استطاع المشي عليه، ولا يكون شفافا بحيث يسرب الماء إلى الداخل، وقلنا بأن أحمد لم يشترط أن يكون جلداً لكنه اشترط أن يكون صفيقاً يتحمل المشي عليه من غير نعل، وهذا غير متوافر في الدّلاغ.
ثم إن المسح على الخفين ثبت بالحديث وقد روي عن أكثر من ثمانين صحابياً منهم العشرة المبشرون بالجنة، ومنهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه الذي قال قولته المشهورة: «لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفيه»، (رواه أبو داوود).
نعم.. والحكمة من المسح على الخفين رفع المشقة وخاصة في أوقات البرد وفي السفر، ولا شك أن الرسول صلى الله عليه وسلم لو كان حياً في زماننا لما توسع في التخفيف على الناس لأن الضرورة تقدر بقدرها، فلا مشقة كمشقة أيامه عليه الصلاة والسلام، ففي كل خمسة كليومترات مسجد مجهز بالماء، وفي كل مركز تجاري عدد من الحمامات والمساجد، والسيارات تحت تصرفنا.
لكن مع ذلك نقول: لا بأس أن نأخذ بالرخصة طالما أن الشرع شرع لنا المسح، لكن ينبغي أن نأخذ بالرخصة في حدود ما رخصه الشرع، وهو ما بينه الفقهاء الأربعة رحمهم الله في كتبهم.
ويبقى بعد ذلك أن نعرف أن الفقهاء بينوا في كتبهم مدة المسح على الخفين في الحضر والسفر، وشروط المسح على الخفين، فالجمهور على أن مدة المسح على الخفين يوم وليلة في الحضر، وثلاثة أيام ولياليها للمسافر.
أما المالكية فقالوا بأن المسح على الخفين جائز في الحضر والسفر من غير توقيت بزمن، فيجوز أن يستمر في المسح ولا ينزعهما إلا إذا وجب عليه الغسل فمتى نزعهما وجب عليه غسل الرجلين (انظر الشرح الصغير ج1 ص 152 – 153 – 158).
ودليلهم حديث أبي عمارة: قال (قلت: يا رسول الله أمسح على الخفين؟ قال: نعم، قلت: يوما؟، قلت: يومين؟ قال: يومين، قلت: وثلاثة؟ قال: وما شئت)، (رواه أبو داوود والدارقطني لكن ضعفه ابن حجر).
وجمهور الفقهاء على أنه متى لبس الخفين لم ينزعهما للحدث الأصغر، بل الأكبر فقط، ومتى نزعهما وجب غسل الرجلين، وقالوا أيضاً بأن من أحدث حدثاً أصغر توضأ ومسح على خفيه من جديد لكن بشروط.
والمتفق عليه أن يكون الخفان في أول مرة لبسهما وهو على طهارة من الحدث الأكبر والأصغر، وأن يكون قد تطهر بالماء لا بالتراب عند الجمهور، وأن يكون الخفان طاهرين وساترين للقدمين حتى الكعبين، ويمكنه أن يمشي فيهما.
وأما نواقض المسح على الخفين فهي نواقض الوضوء بالإضافة إلى كون نزعه يعد من النواقض وكذلك انقضاء مدته عند الجمهور.

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى