جديد الكتب

المقامرة.. مبدأ القيادة في قطر

تأليف:ديفيد روبرتس

بلغت السياسة القطرية،وإدارة شؤون الدولة محلياً وعلاقاتها الإقليمية والدولية مبلغ المقامرة. هذه النتيجة التي توصل إليها كتاب «قطر.. سعي الدولة الصغيرة لدور عالمي»، من المبادئ التي اعتمدتها سياسة الدوحة الخارجية، وما مثلته ولا تزال قناة «الجزيرة» من بوق إعلامي لتلك التوجهات والسياسات القطرية.
واصل نظام «الحمدين» مساعي فرض النفوذ في المنطقة، فأعلنت الدوحة في العام 1995 عزمها على إنشاء مكتب لها في قطاع غزة، فيما يراه مؤلّف الكتاب يعكس بوضوح اهتمام الدوحة البالغ في توسيع دائرة نفوذ ما، من خلال نسج علاقات مع منظمات مسلّحة وإرهابية في مناطق صراع، فكان الهدف من ذلك المكتب الإشراف والسيطرة على الأموال الطائلة التي تدعم بها الدوحة الجهات المختلفة، وهي الفترة التي بدأت فيها أيضاً في ترسيخ علاقاتها مع حركة حماس، فيما ذروة هذه العلاقة توجت بزيارة لحمد بن خليفة آل ثاني إلى قطاع غزة في العام 2012، وفي سبيل تدعيم تلك العلاقة، أعلن حمد بن خليفة آل ثاني افتتاح المكتب مدّعياً أن أنشطته ستتمحور في تقديم الدعم للفلسطينيين، وهي نفس الفترة التي كانت فيها قطر تعمق علاقاتها ب«إسرائيل».
وعلاوة على ذلك فقد عملت قطر على رعاية الأنشطة الإرهابية لحزب الله في لبنان، وقدّمت حماية دبلوماسية وسياسية، بل ودعمته مالياً كما ذكرنا سابقاً، وهو الدعم الذي اعتبره مؤلّف الكتاب غريباً على دولة خليجية مثل قطر أن تدعم تنظيما مذهبيا مرتبطا بإيران، الأمر الذي يعتقد المؤلّف أنه يعبر عن التوجهات الجديدة التي كانت يصيغها حكم «الحمدين» في قطر، والتي تتمثل في إنشاء علاقات الهدف منها تنويع قاعدة العلاقات المتشعبة التي تقوم عليها قطر وتجميع أكبر قدر ممكن من «كروت» اللعبة، للاستفادة بأقصى قدر ممكن من تلك العلاقات و«الكروت»، بما يخدم مصالح الدوحة وتوجهاتها التخريبية في المنطقة.
يحاول مؤلّف الكتاب، فهم طبيعة العلاقات المتشعبة للدوحة، مع «إسرائيل» وإيران والجماعات الإرهابية وحتى القاعدة، فضلاً عن الولايات المتحدة والدول الأوروبية، ليخلص إلى أن حمد بن خليفة آل ثاني تبنى هذه الاستراتيجية كأمير للبلاد بما لا يعارض توجهات الأسرة الحاكمة في قطر، فهو وإن بدا يتخذ القرارات الكبرى بشكل منفرد، فإن الإعلام كان تحت سيطرته وحمد بن جاسم وزير خارجيته، والأمر يمتد إلى اليوم في ضوء حكم تميم بن حمد نفسه.
وفي ظل بيئة محلّية مساعدة، قام النظام الحاكم في قطر بنسج علاقات خارجية متشعبة، فيما وصفه المؤلّف بأنها ذات طبيعة تتخطى في الغالب حدود المعقول لتصل إلى الممنوع والمحرم، وذلك على الرغم من علم الحكم بعدم رضا الشعب القطري عن الأنشطة التي يغلب عليها طابع المقامرة في كل شيء. والنتيجة التي وصلت إليها قطر اليوم مؤشر قوي وصارخ على المقامرة التي قام بها وخسرها النظام القطري، مقامرة بكل شيء، مؤامرة بقطر.
مؤلّف الكتاب يواصل البحث في العوامل للإجابة عن مغزى العلاقات والتوجهات المتناقضة والغريبة، خصوصا مع كل من إيران و«إسرائيل»، ويخلص فيما يخلص إليه أن هنالك العديد من الدوافع لحمد بن خليفة نفسه، ومن معه ومن ورائه في داخل البيت القطري.
وحمد بن خليفة بحسب المؤلّف بدأ يدير شؤون الحكم منذ ما قبل الانقضاض على السلطة في العام 1995، عندما كان يبلغ من العمر 43 عاماً، فالرجل كان يعطي العديد من الإشارات بأنه وكان شغوفا جدا لتبوء مكانة أكبر من الحجم الحقيقي لقطر عبر تلك التوجهات والسياسات المشبوهة التي كانت ترسمها له زوجته الثانية موزة بنت ناصر، والتي اعتبرها البعض العقل المدبر لانقلاب حمد بن خليفة على والده، بحسب مؤلّف الكتاب. وبحسب المؤلّف، فقد شهد المسرح السياسي في قطر تغيرا كبيرا جدا في القيم والأعراف المتبعة، خصوصا من حيث ظهور زوجة الحاكم في الأنشطة السياسية، ولم تخف الشعوب الخليجية والقطريون على وجه الخصوص دهشتهم البالغة وامتعاضهم من الظهور المتكرر لموزة بنت ناصر زوجة حمد بن خليفة على المنابر الإعلامية برفقة زوجها وعلى أغلقفة المجلات في محاولة للظهور في هيئة عصرية إلا إنها تفتقر، لا بل وتتعارض، مع التقاليد المحافظة والأعراف الخليجية، الأمر الذي اعتبره الكاتب محاولة لحمد بن خليفة للتقرب من النخب السياسية الغربية، لإيصال رسالة مفادها أن السياسات القطرية تنبع من مفاهيم عصرية، وخصوصاً بعد أحداث سبتمبر / أيلول 2001، وما نتج بعدها من مشاعر غضب ضد المسلمين.
وقد أدرك حمد بن خليفة الدور المحوري والمكانة السياسية الكبيرة التي تتمتع بها المملكة العربية السعودية في المنطقة، لذلك فإنه رأى تبني توجهات مخالفة للمملكة ذات المكانة الدولية والنفوذ والثقل الأكبر في المنطقة ما يساعده على الترويج بشكل أكبر لقطر، الأمر الذي اتضح جلياً في الارتماء المتسرع في أحضان العلاقة مع «إسرائيل» وتوطيد العلاقة مع إيران، وهي الطريقة التي وصفها الكتاب بأنها كانت بهدف التميز عن الغير من دول المنطقة، حتى وإن كانت تلك العلاقات من «المحرمات».
ولم يأخذ الحاكم القطري – وفقا للكاتب – بالقيم والسياسات المتزنة التي تمتاز بها السعودية ودول الخليج، بل عمل على تبني نهج مخالف لطبيعة المنطقة ونسيجها الاجتماعي، وكان ينظر إلى القضايا السياسية بمنظور مغاير لرؤى دول الخليج الأخرى، حيث هدفت سياساته في الأساس إلى مخالفة التوجه السعودي، ربما في محاولة للخروج من العباءة السياسية لمجلس التعاون الخليجي.
ويشير مؤلّف الكتاب إلى بروز ما وصفه بالتغيير المفاجئ في مشهد المسرح السياسي في قطر لناحية تخطي الحكم للقيم والأعراف المتبعة على صعيد المنطقة، فيما لم تخف الشعوب الخليجية والقطريون على وجه الخصوص دهشتهم البالغة من الظهور الفجّ لهذه الصورة المخالفة لعاداتهم وتقاليدهم على المنابر الإعلامية العالمية.
وينتقل المؤلّف إلى ملف قناة الجزيرة، التي انتهجت منذ تأسيسها نهج قطر في مخالفة التوجهات السائدة في المنطقة، وتحت شعارات براقة، مثل الديمقراطية والحرية و«الرأي والرأي الآخر»، وهي القناة الأولى حول العالم التي كان بإمكانها الوصول ومقابلة رأس تنظيم القاعدة المطلوب الأول والأخطر للولايات المتحدة والعالم أسامة بن لادن، وأجرت معه مقابلات خاصة ونشرت له مقاطع مصورة خاصة على الشاشة القطرية، (تبعتها بعد ذلك كل من «يو اس نتويرك» و«سي إن إن»)، علاوة على أن «الجزيرة» كسرت الأعراف العربية باستضافتها لمتحدثين «إسرائيليين» على شاشاتها.
وعملت القناة منذ تأسيسها على تمجيد السياسات القطرية وتلميعها، على الرغم من أنه بدا منذ الوهلة الأولى أنها تناصب العداء «لإسرائيل»، إلا أنها لم تشعر بأي حرج في عرض العلاقات «الإسرائيلية» – القطرية الناشئة، وبطريقة لا تلفت انتباه المشاهد العربي عبر ديناميكيات وأساليب معينة لا تثير الغضب على تلك العلاقة المشبوهة. وشهدت القناة العديد من الانتقادات، حيث عبرت غالبية الدول العربية عن سخطها من أداء الجزيرة وطريقة تغطيتها للأحداث في تلك الدول، ما حدا بالكثير منها إلى توجه الشكوى لأمير قطر نفسه من سياسات القناة وتوجهاتها الغريبة التي تثير حفيظة الحكومات، بيد أن تلك المطالبات والشكاوى لم تلق أي اهتمام من الأمير المنشغل بتوسيع نفوذه باستغلال المنصة الإعلامية قناة الجزيرة.
ويشير المؤلّف إلى الدور الذي لعبته «الجزيرة» خلال ما يسمى بالربيع العربي، والتي أثارت حالة من الفوضى والنعرات الطائفية والعرقية، حيث واصلت قناة الجزيرة عاداتها في السباحة عكس التيار الإعلامي العربي، ووفقا للمؤلّف، عملت القناة على تأجيج ثورات راح ضحيتها مئات الألوف ممن كانوا يعتقدون أنهم بتلك الثورات سيرسمون مستقبلا مزدهراً لدولهم، وهي المشاعر التي أججتها القناة عبر تبنيها شعارات مضللة كانت تهدف في الأساس إلى صب الزيت على النار، فضلاً عن أنها كانت تمثل منصة رسمية للحركات والجماعات المتطرفة والإرهابية من خلال إطلاق بعض الأسماء والشعارات المزيفة عليهم.
ولا يخفى الدور الكبير الذي لعبته القناة في تأجيج الصراعات الطائفية في كل من العراق وسوريا، عبر كونها منصة إعلامية للجهود الهدامة التي تقوم بها دولة قطر وسعيها إلى انتشار الحروب والدمار. وفي محاولة للفت الأنظار عن توجهاتها المشبوهة، قامت الشبكة بافتتاح قناة أخرى ناطقة باللغة الإنجليزية، استندت في عملها إلى أجود المعايير المهنية، وقامت بتغطية الأحداث الأوروبية والأمريكية بطريقة نافست منصات إعلامية شهيرة، فيما يوحي للعالم أن النهج الذي تتبعه جميع قنوات الشبكة موحّد في جميع أنحاء العالم، بيد أن العالم سرعان ما اكتشف أن القناة الناطقة بالإنجليزية ما هي إلا تمويه أُريد به صرف الأنظار عن التوجهات الحقيقية للقناة الأم الناطقة بالعربية، وفقاً لمؤلّف الكتاب، الذي نشر آراء أكاديميون أمريكيون وعرب مشاركين في منتدى إعلامي بأوروبا والذين كشفوا التباين الكبير بين مهنية القناتين، وتوجهاتهما المختلفة في تغطيتهما للأحداث العالمية، خصوصا العربية وما يتعلق بالثورات.

المؤلّف

الدكتور ديفيد روبرتس مؤلّف كتاب «قطر.. سعي الدولة الصغيرة لدور عالمي»، الذي صدر حديثاً، حاصل على درجة الدكتوراه في بحثه عن علاقات قطر الدولية وما يشوبها من ريبة.
انضم روبرتس الحائز درجة دكتوراه من جامعة دور هام البريطانية لبحثه الذي تعمق في العلاقات الدولية لقطر، إلى فريق عمل قسم دراسات الدفاع بكلية «كبنجز»، التي تتخذ من لندن مقراً لها في العام 2013، والتي تتبع الكلية الملكية لدراسات الدفاع. وقد عمل روبرتس سابقاً مديراً لمكتب قطر بالمعهد الملكي البريطاني للخدمات المتحدة لدراسات الدفاع، (RUSIQatar).

زر الذهاب إلى الأعلى