قضايا ودراسات

المقاومة خيار وحيد للفلسطينيين

جون وايت*

قرار الولايات المتحدة الاعتراف بالقدس عاصمة لـ«إسرائيل» ليس انتهاكا فاضحاً للقانون الدولي فقط، بل هو أيضاً شناعة أخلاقية تشكل موافقة ضمنية على التمييز العنصري، والتطهير العرقي، وانتهاك حقوق الشعب الفلسطيني.
هذا القرار الذي أعلن بعدم اكتراث، يتجاوز مسألة الاعتراف بالقدس كعاصمة لـ«إسرائيل»، من حيث إنه يشكل تثبيتاً لواقع أن الولايات المتحدة و«إسرائيل» هما دولتان مخادعتان.
وتحت قيادة بنيامين نتنياهو، تبنت «إسرائيل» بحماسة، موقفاً رافضاً لإقامة دولة فلسطينية. ونتنياهو يعرف تماماً أن سلاماً قابلاً للاستمرار لا يمكن أن يتحقق، ولن يتحقق أبداً، ما لم تكن العدالة في صلبه. وحتى الآن، كان رئيس وزراء «إسرائيل» وحيداً في معاندته، بالرغم من أن معارضة موقفه كانت همساً أكثر منها جزءاً مهماً من موقف المجتمع الدولي. ولكن الآن، قرار ترامب يحول حلم نتنياهو الأكبر إلى حقيقة، ويوفر له شريكاً موافقاً على عدم تزحزحه عن نهجه المتصلب.
في الحقيقة، «إسرائيل» لم يكن لها أبداً، ولن يكون لها أبداً، أي حق في أرض فلسطين، إلا إذا كان الاستعمار الاستيطاني جزءاً من القانون الدولي والدبلوماسية في القرن الواحد والعشرين.
والقدس هي بشكل صريح، وغير قابل للجدل، جزء من فلسطين المحتلة، وهذا ما أيده كلا من مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة. واحتلالها يشكل أيضاً انتهاكاً لاتفاقية جنيف الرابعة (بشأن حماية المدنيين في زمن الحرب). وبناء عليه، فإن انتهاك القانون الدولي الذي شكله الزعم بأن القدس هي عاصمة «إسرائيل» واضح تماماً، وغير قابل للنقاش.
والسبب الوحيد الذي جعل «إسرائيل» قادرة على الاستمرار في الاستهزاء بهذه الالتزامات هو تحالفها الدائم مع الولايات المتحدة، الذي وفر لها دعماً عسكرياً ومالياً ليس له مثيل في العالم. والرباط الذي يجمع المؤسستين السياسيتين في كلتا الدولتين قائم منذ زمن طويل – وهو «غير قابل للكسر»، حسب تعبير الرئيس السابق باراك أوباما.
إن سيل الانتقادات عبر العالم كله الذي قوبل به هذا القرار الأمريكي بشأن القدس هو الموقف – ورد الفعل – الطبيعي. فهذا القرار هو تطور يشكل المسمار الأخير في نعش عملية سلام الشرق الأوسط، ويدفع نتيجة لذلك الفلسطينيين نحو طريق مقاومة فعلية على شكل انتفاضة ثالثة.
ومن يمكنه أن يلومهم؟. إذ إن العقود التي عاشوها تحت نير الاحتلال الغاشم في الضفة الغربية – حيث المستوطنات غير الشرعية المخصصة ليهود فقط، تكاثرت ولا تزال تتمدد، وحيث تشكلت مئات الحواجز الأمنية تذكيراً يومياً بإخضاعهم وامتهانهم، وحيث يستمر الاستيلاء على الموارد الطبيعية في الأراضي المحتلة – لا يمكن إلا أن تثير النقمة وتحفز على المقاومة.
وفي هذه الأثناء، لا يزال قطاع غزة تحت حصار يعادل عقاباً جماعياً، من دون أن تظهر أي إشارة على احتمال انتهائه في وقت قريب.
إن كل هذه الممارسات مجتمعة لتثبت أن «الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط» غارقة كلياً في إثارة اليأس الإنساني على نطاق جماعي.
والمفارقة هي أن هذا القرار الأمريكي الفاضح لا يمكن إلا أن يضعف، لا أن يعزز، أمن «إسرائيل». فهو سيؤدي إلى تهميش الأصوات الفلسطينية المعتدلة ويتيح للأصوات الأكثر تصميماً أن تحتل مقدمة الساحة، ويقدم لها دليلاً لا يدحض عبث حل دبلوماسي لهذه الأزمة، ويجعلها تكسب دعماً شعبياً في إيمانها بالمقاومة بأي وسائل ضرورية. ويبدو أكثر فأكثر أن هذه هي اللغة الوحيدة التي يفهمها هؤلاء السفاحون.

*كاتب أمريكي – موقع «كاونتر بانش»


Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى