قضايا ودراسات

بلاغة اللسان الشعبي

جمع الباحث د. عبدالعزيز المسلم مدير معهد الشارقة للتراث أكثر من 150 مثلاً شعبياً متداولاً في الإمارات، وتتصل إجمالاً بالآداب العامة، وآداب الطريق، وآداب المأكل والمشرب والتعامل مع الآخرين، وآداب الحديث والاستماع وآداب الضيافة والقناعة، ويعطي د. المسلم شرحاً موجزاً لكل مثل بكلمات قليلة ولكنها توضح مضمون المثل الشعبي الذي يدخل في دائرة التراث والثقافة الشعبية في الإمارات، كما يدل المثل الشعبي الإماراتي على سرعة البديهة والذكاء الفطري لأهل البلاد من سكان السواحل والبادية والجبال.. هذا من ناحية، ومن ناحية ثقافية يؤشر المثل الشعبي الذي يأتي عادة بقليل الكلمات وكثير الدلالات على بلاغة اللسان المحلي وفصاحته وقدرته اللغوية على التعبير بما يشبه الإشارة واللمح بتكثيف وسرعة ومرونة في المفردات، كما المرونة في إيقاعها أو في صوتها الشعبي.

من أجمل ما قرأت من هذه الأمثال الشعبية الإماراتية..
«..البيت ما يندخل من بابه، يندخل من أحبابه..»، ويشرح د. المسلم هذا المثل قائلاً: «..لن يقبل عليك الناس لكبر شأنك ومالك وجاهك، لكن لطيب أخلاقك ومحبتك..»، ومن باقة هذه الأمثال أيضاً «..حط المرّ تحت والحلو فوق..».. وشرحه: أظهر دائماً محاسن الأمور، واكتم سيئها، و«..المذهب ذهب، والمعاني حروف..»، وشرحه: سلوكك القويم ذو قيمة عالية، وحديثك الحسن ميزة فضلى، ومن الأمثلة السهلة التي لا تحتاج إلى شروحات، فيعرف معناها العربي المقيم في الإمارات أيّاً كانت بلاده من المشرق أو من المغرب.. «..الزين زين المعاني..» و«..خذ كلام اللي يبكيك ولا تأخذ كلام اللي يسليك..» و«..قوم تعاونوا ما ذلوا..».. و«..مَنْ صَبَـرْ قَدَرْ..» و«.. مَنْ سأل ما ضَلّ..»، و«..لا تسرف لو من البحر تغرف..» ومن الأمثلة التي تنطوي على بلاغة أدبية أو مجازية عالية قول أهل الإمارات.. «..الوصاة حصاة..» وشرحه: «التأكيد على تنفيذ الوصية دائماً، وقولهم: «..دوس ظلتك ولا تطالع وراك..» أي: لا تأبه لما فات، ولا تنظر إلى الوراء.
كتبت قبل فترة أن الشعر الشعبي أو النبطي يحمل طاقة لغوية فصحى، وأن الكثير من أصول الكلمات المحكية الشعبية في الإمارات تعود إلى جذر لغوي فصيح، واليوم، يتأكد أيضاً أن الأمثال الشعبية تتضمن هي الأخرى مفردات فصيحة، ويعود ذلك إلى فصاحة قائل المثل، ومن المؤكد أنه يعرف القراءة والكتابة مبكراً، بل إن الشعراء الإماراتيين الشعبيين القدامى تمتلئ الكثير من أشعارهم بالأمثال الفطرية الذكية.
في الإمارات بيئة ثقافية مفتوحة على التراث والحداثة والمعاصرة.. وفي الوقت نفسه تتحصن هذه الثقافة بما هو تراثي وبما هو شعبي وقديم قدم رجال رواد، ونساء رائدات في التعليم والكتابة والخط والحِرَف والمهن.. والحياة بشكل عام، التي أنجبت روحاً محلية تسامحية مثقفة بفطرة الجمال، وطفولة الكلام عندما يكون شعراً أو مثلاً أو حكمة جارية بين الناس.

يوسف أبولوز
y.abulouz@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى