قضايا ودراسات

تحرير العَروض من العَروضيّين

عبد اللطيف الزبيدي
خلافاً لضرورة تنوّع العمود، لا مفرّ من استكمال طرح الأمس«تقطيع الشعر ليس عربيّا»، فالمبحث يخص جميع الشعراء العرب، بل كل المثقفين. سيوضح القلم كيف أن العروضيين، لعدم إلمامهم بحقائق الإيقاع ودقائق الموسيقى، أدخلوا الأوزان في متاهات تنظيرية سقيمة، قامت على أساس خاطئ «وهل يستقيم الظل والعود أعوج؟» القاعدة غير علميّة، فكيف يقوم عليها بناء علميّ؟
أسوأ مشكلة يعانيها دارس العروض، هي منظومة من العوارض الطارئة على التفعيلات، لها قائمة طويلة من الأسماء، نلخصها في الزحافات. تخيّلوا أن الطالب يقضي ثلاثة أرباع وقته، عند تعلّم الأوزان، في هذه التعقيدات، التي هي برهان على عدم فهم العروضيين حقيقة الإيقاع. هم مثل من لا يعرف الداء وتشخيصه، فيلجأ إلى الشعوذة.
لا شك في أنّ في الزحافات قلّة قليلة هي خلل في الإيقاع. لكن جلّها تنويع في الإيقاع أو إيقاع مختلف. استعن بأستاذ موسيقى واطلب منه تدوين«فاعلاتن فاعلاتن فاعلات»، و«فَعِلاتن فَعِلاتن فعِلات»، ستجد أن الإيقاع مختلف، وكلاهما له هويّته. بينما العروضيّ يقول لك: إن تفعيلات بحر الرمل الأخيرة «أصابها الخبن» (الخبن تقصير الثوب). مفردات كالإصابة والعلة هي «عدّة الشغل» عند العروضيين. العاهات التي أصابوا بها التفعيلة كثيرة: الوقص (قصر العنق)، الصّلم (قطع الأذن والأنف من الأصل)، الحذذ (القطع والسرعة. حمار أحذّ قصير الذنب). الخزل (الانخزال في المشي كأن الشوك شاك قدمه). النقص، القبض، الكفّ، البتر، العصْب إلخ. كل مفردة من هذه تُغرق الطالب في هراء من المعمّيات التي لا علاقة لها بإيقاع الشعر وموسيقاه، وهي طويلة معقدة ومملّة حتى على القادر على استيعابها. تماماً مثل الكثير من الزوائد الدوديّة في النحو والصرف، التي جعلت ابن رشد وابن مضاء يشنّان أشرس الهجمات على النحاة. 90 % من الزحافات سوء فهم من العروضيين لحقيقة الإيقاع. هي تنويعات إيقاعية غير مصابة بعلل، ولا هي مريضة. المرض هو انعدام البحث لدى العروضيين. مسكين أحمد شوقي يطرح العروضيون إحدى روائعه في غرفة عملياتهم: هنا أنفها مستأصل، قدمها فيها أشواك، في العنق قصر، هذا به بتر، وفي ذلك قطع. سيصرخ الطالب: اللعنة على التقطيع وألف داهية على العروض. لماذا لا نقول له بالعود أو حتى بالتوقيع على الطاولة: إن الرّمل: فاعلاتن فاعلاتن فاعلات، مثل: سامقاتٌ شامخاتٌ شاهقاتْ، تستطيع تنويع إيقاع أيّ تفعيلة منها إلى فَعِلاتن، مثل: زهراتٌ نضراتٌ عابقاتْ. وهكذا في كل الأوزان، ونريحه من كراكيب الكلام الفارغ.
لزوم ما يلزم: النتيجة الزمنية: لو ألقينا بكل الطفيليّات العروضية في سلّة المهملات، لتعلّم الطلاب الأوزان في ست عشرة حصة، وعشقوا الشعر وإيقاعاته الموسيقية.

abuzzabaed@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى