قضايا ودراسات

ترامب حفيد مهاجر

آرثر واينز*

كان التغير البليغ في المناخ أحد أسباب موجة هجرة ألمانية إلى الولايات المتحدة في القرن التاسع عشر. والجد الألماني للرئيس دونالد ترامب كان أحد أولئك المهاجرين، الذين عبروا الأطلسي في تلك الفترة.
يحذر علماء المناخ منذ زمن طويل من أن التغير المناخي سيكون له تأثير جوهري على أنماط الهجرة في الحاضر والمستقبل. والآن، بحث فريق علماء ألمان كيف أثّر التغير المناخي في الهجرة على نطاق واسع من ألمانيا إلى الولايات المتحدة في القرن التاسع عشر، وتوصلوا إلى استنتاجات مهمة.
أجريت هذه الدراسة العلمية في جامعة فرايبورج الألمانية، ونشرتها مجلة مناخ الماضي الألمانية. وأثبتت الدراسة صلة مؤكدة بين التغير المناخي ونقص المحاصيل، والهجرة الجماعية إلى الولايات المتحدة، خصوصاً من مقاطعة (حالياً ولاية) بادن فورتمبيرج. وخلال حدثين بارزين من أحوال طقس قصوى، بما في ذلك «سنة من دون صيف» في 1816، وصيف حارق في 1846، أدى نقص المحاصيل مباشرة إلى تزايد الهجرة من تلك المنطقة.
وقال روديجر جليزر، رئيس فريق العلماء الذين أجروا الدراسة: «تسلسل تلك الأحداث واضح تماماً: أدت أحوال مناخية سيئة إلى محاصيل متدنية، وارتفاع أسعار الحبوب، وفي النهاية إلى هجرة».
وفي القرن التاسع عشر، هاجر أكثر من خمسة ملايين ألماني إلى الولايات المتحدة، أحدهم كان فريدريك ترامب، جد الرئيس الأمريكي الحالي، الذي وصل إلى نيويورك في 1885 عندما كان فتى في السادسة عشر من العمر، ولم يحصل على أي تعليم، ولم يكن يتحدث سوى اللغة الألمانية.
غير أن فريق العلماء الذي بحث العوامل التي ترغم الناس على الهجرة، وجد أن التغير المناخي وحده لا يفسر كل قصة تلك الهجرة. وقال جليزر: «تأثير المناخ على الهجرة هو قطعة واحدة فقط من اللغز. وعموماً، نحن وجدنا أن المناخ يفسر مباشرة ما يصل إلى 20 30% من موجة الهجرة من جنوب غربي ألمانيا، إلى أمريكا الشمالية في القرن التاسع عشر. ومن المؤكد أنه كانت هناك ضغوط أخرى ساهمت في تلك الهجرة».
وعوامل الفقر والحروب والثورات في النصف الأول من القرن التاسع عشر، دفعت أيضاً كثيرين من الألمان إلى البحث عن مستقبل أفضل في بلدان أخرى. وكانت هناك عوامل سياسية أخرى، مثل حرب القرم (1853 1956)، التي حظرت فرنسا خلالها تصدير الأغذية، وأدت إلى ارتفاع أسعار الحبوب في ألمانيا.
وقال جليزر: «الهجرة في القرن التاسع عشر كانت عملية معقدة تأثرت بعوامل متعددة؛ إذ إن عدم توفر الفرص الاقتصادية، والضغوط الاجتماعية، والنمو السكاني، والنزاعات الدينية والسياسية والحروب، والروابط العائلية، والتشجيع على الهجرة من قبل أطراف مختلفة، كل ذلك أثر في قرار أناس بمغادرة وطنهم الأصلي. ولكننا نرى بوضوح أن المناخ كان عاملاً رئيسياً».
واليوم يظهر كمٌ متواصل من الأبحاث، وجود صلة واضحة بين المناخ والهجرة. وأظهرت دراسات أنه بحلول عام 2100، من الممكن أن ما يصل إلى ملياري إنسان، سيكونون مرغمين على النزوح والهجرة نتيجة للمناخ. كما يتوقع أن تصبح بعض أنحاء العالم، مثل مناطق في شمال إفريقيا والشرق الأوسط، غير صالحة للسكن بسبب التغير المناخي، ما يمكن أن يدفع إلى موجات هجرة محتملة من تلك المناطق.
وفي داخل الولايات المتحدة أيضاً، يتوقع أن يتزايد نازحو المناخ تصاعدياً؛ نتيجة لارتفاع مستويات البحار التي ستغرق مدناً ساحلية أكثر فأكثر. غير أنه يبقى من الصعب أن يحدد العلماء بوضوح، العوامل التي تدفع الناس إلى هجر مواطنهم، سواء كانت التغير المناخي أم النزاعات، أم مزيجاً من أسباب متعددة.
وعلم العلاقة بين التغير المناخي والهجرة، بدأ الآن فقط يفهم هذه المسألة المعقدة، ولكن الوقت يضغط من أجل فهم هذه العلاقة.
وقال جليزر: «من دون معطيات دقيقة ومؤكدة حول حركات انتقال الناس، كما هي الحال بالنسبة للعديد من أحداث الهجرة اليوم، سيبقى بناء قاعدة علمية موثوقة أمراً صعباً».

*عالم في الأحياء وكاتب متخصص في المناخ
موقع: كاونتر بانش


Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى