قضايا ودراسات

تسييس الدين وعسكرته

خيري منصور

حدث مراراً في التاريخ أن تتحول العقائد إلى أقنعة لما ليس له صلة بها، بدءاً من التسييس حتى العسكرة لكن عمر هذه الخديعة قصير، إذ سرعان ما تنكشف الحقائق وتتساقط الأقنعة ويتضح أن من يمارسون ذلك، يسيئون إلى العقائد أكثر من أي طرف آخر.
وربما لهذا السبب كانت الحروب الدينية أو بمعنى أدق الحروب التي تتذرع بالأديان هي الأشد ضراوة في التاريخ، وذهب ضحيتها ملايين البشر.
ومقابل تسييس الدين هناك ما يمكن تسميته تديين السياسة، أي فرض القداسة على أهداف قد تكون شيطانية، والقول المأثور وهو «الدين لله والوطن للجميع»، لم يُترجم بالقدر الكافي عملياً، لأنه لو تحول إلى واقع وممارسات لما كان المشهد على ما هو عليه، والوطن يتسع لكل الأطياف بحيث تتكامل وتتعايش وتصبح البديل الأرقى للطوائف!
وإذا كان تسييس الدين لابد أن يفضي في نهاية المطاف إلى عسكرته فإن السلام يصبح في مكان آخر، لأن الظواهر على اختلاف مجالاتها تنتج نقائضها، فالعنف يولد المزيد من العنف، وإذا كانت ردود الأفعال حسب التعريف الفيزيائي مساوية للأفعال من حيث القوة ومضادة لها في الاتجاه فإن ردود الأفعال في التاريخ ليست كذلك، وأحياناً تتفوق على الأفعال، لأن الفيزياء لا تعرف الثأرية والانتقام، بينما التاريخ عرف حكايات لا تحصى في هذا السياق!
والتناقض الحاسم والجذري في معادلة تسييس الدين وعسكرته تكمن في أن الأديان السماوية بشرت البشرية بالسلام والأمان وجعلت العلاقة الروحية والوجدانية بين الفرد والرب، وغالباً ما يكون الإفراط في التمظهر تعويضاً عن نقصان في الواقع.
وإذا كان هذا الكوكب مهدداً بعودة الحروب الدينية، فذلك لأن هناك من يريدون امتطاء الدين كموجة إلى أهداف دنيوية خالصة، ولم تعد هذه الحيلة عصية على الاكتشاف، لأن الطبع كما قال ابن خلدون غير التطبع، خصوصاً بعد أن حصدت البشرية كثيراً من التهشيم ودفعت أثماناً باهظة في حروب اندلعت باسم السماء، لكنها في حقيقتها تعبير عن أطماع أرضية، والأرجح أن من لدغوا من هذه الجحور تلقحوا ضد تكرار اللدغ!

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى