قضايا ودراسات

تصدع العلاقة بين تركيا والأطلسي

بيتر كورزون *

بينما تتدهور العلاقات الدبلوماسية بين تركيا وألمانيا، أعلن رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم أن على ألمانيا أن تختار بين صداقتها لتركيا أو المتآمرين الانقلابيين في تركيا.

جاء تصريح يلدريم بعد أن منحت ألمانيا اللجوء السياسي إلى مسؤولين عسكريين أتراك تشتبه أنقرة بأنهم على علاقة بالمحاولة الانقلابية العام الماضي. وردت تركيا برفضها السماح لوفد برلماني ألماني كان يزورها بدخول قاعدة إنجرليك العسكرية الرئيسية في جنوب تركيا.
وفي العام الماضي، كانت تركيا قد منعت البرلمانيين الألمان من زيارة القاعدة طوال أشهر رداً على قرار للبرلمان الألماني وصف المجازر التي تعرض لها الأرمن في تركيا عام 1915 بأنها «إبادة»، وهو ما ترفضه تركيا.
ويتمركز في قاعدة إنجرليك حوالي 250 عسكرياً ألمانياً، وهم ينظمون طلعات طائرات استطلاع ألمانية فوق سوريا، كما يزودون بالوقود طائرات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم «داعش» في سوريا. وبسبب الإجراءات التركية، قررت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل سحب الجنود الألمان المتمركزين في القاعدة. وأعلنت ميركل أن حكومتها «تستكشف طرقاً أخرى للوفاء بالتزاماتها إزاء التحالف، بما في ذلك نقل جنودها من إنجرليك إلى الأردن».
وهذا التوتر هو الأحدث في سلسلة خلافات بين تركيا وألمانيا الحليفتين في إطار حلف الأطلسي. وقد تدهورت العلاقات بين البلدين على مدى السنة الأخيرة بسبب مسائل عدة، بما فيها موافقة ألمانيا على طلبات لجوء تقدم بها أتراك تتهمهم أنقرة بالمشاركة في المؤامرة الانقلابية. وخلال الحملة التي سبقت استفتاء تركيا في وقت سابق من العام الحالي بشأن توسيع سلطات الرئيس رجب طيب أردوغان، منعت السلطات الألمانية عدة وزراء أتراك من إلقاء كلمات في تجمعات للأتراك في ألمانيا، ما جعل الرئيس أردوغان يتهم المسؤولين الألمان ب «ممارسات نازية». كما أنه أثار خلافات مع حكومات أوروبية أخرى بإعلانه خططاً لتنظيم استفتاء حول إعادة العمل بعقوبة الإعدام في تركيا. وقال رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر إنه إذا قررت تركيا إعادة العمل بعقوبة الإعدام، فإن ذلك سيقضي على آمالها بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
ويعتبر قرار ألمانيا سحب جنودها من قاعدة إنجرليك حدثاً خطير الشأن في تاريخ حلف الأطلسي. وهو يأتي في سياق فتور بين تركيا وحلف الأطلسي، حيث تشتبه تركيا بأن الحلف كان له دور في المحاولة الانقلابية الفاشلة العام الماضي. وقد غضبت تركيا بسبب ما اعتبرته إدانة فاترة من قبل حلفائها الغربيين للمحاولة الانقلابية ضد الرئيس أردوغان. وبلغت العلاقة درجة من السوء بحيث أثارت شكوكاً في جدوى عضوية تركيا في حلف الأطلسي. ففي أعقاب المحاولة الانقلابية، هدد وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو بأن تركيا «تفكر في الخروج» من حلف الأطلسي.
ووسط هذا التوتر، قالت صحيفة «حرييت» التركية الناطقة بالإنكليزية إن «العداء لأمريكا والشكوك في الغرب أصبحا ظاهرة شائعة بين الأتراك، حتى بين الأتراك الذين تلقوا تعليمهم في الغرب».
وهناك سبب رئيسي آخر لتفاقم التوترات بين تركيا وحلف الأطلسي. إذ إن كلا من الطرفين لديه أهداف مختلفة تماماً في سوريا، حيث إن أولوية أنقرة هي منع قيام دولة كردية أو منطقة حكم ذاتي كردية في سوريا على حدودها الجنوبية، في حين أن الأعضاء الآخرين في حلف الأطلسي يعتبرون أكراد سوريا حلفاء يعول عليهم في المعركة ضد «داعش».
يضاف إلى ذلك أن تركيا تتعاون مع إيران في إطار توافق بين تركيا وإيران وروسيا حول عملية السلام الجارية بصعوبة في سوريا. وينظر الغرب بشكوك قوية إلى هذا التحالف الثلاثي الناشئ. واختلاف المواقف بشأن دور الأكراد في سوريا يجعل الخلاف بين تركيا والغرب حتمياً.
ونظرياً، خسارة عضوية الأطلسي لن تضر تركيا كثيراً. إذ إن أنقرة أعادت تحسين علاقاتها مع كل من روسيا و«إسرائيل»، كما أنها عادت إلى الالتزام بسياسة «صفر مشاكل» مع دول الجوار.
وتركيا لديها أكبر جيش بين دول حلف الأطلسي بعد الولايات المتحدة، كما أنها تحتل المرتبة الثانية في الإنفاق العسكري بين دول الأطلسي، بعد الولايات المتحدة أيضاً. ولكن تقرير حلف الأطلسي السنوي حول أنشطته في العام 2016 سجل واقع أن تركيا شاركت فقط في أربع من التدريبات العسكرية الرئيسية السنوية ال 18 لحلف الأطلسي.
وبصورة عامة، الأطلسي مهتم بتركيا أكثر من اهتمام تركيا بالأطلسي. وهذا يعني أن سياسة تركيا الحالية القائمة على تنويع ارتباطات سياستها الخارجية يعزز موقفها في التعامل مع الغرب عموماً.
* محلل في شؤون الحرب والنزاعات – موقع «استراتيجيك كلتشر»

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى