قضايا ودراسات

تواطؤ نساء جنوب إفريقيا ضد بنات جنسهن

لين سنودجراس*

تُبيّن الوقائع أن النخب النسائية في جنوب إفريقيا، من النساء اللاتي يشغلن بعض المناصب في الحكومة، يتواطأن في بعض الأحيان مع زملائهن الرجال، ضدّ النساء، حفاظاً على مناصبهن ومكانتهن، كما تقول الباحثة لين سنودجراس.
مع احتفال الإفريقيين الجنوبيين بـ«شهر المرأة» الذي يحتفل بالمعالم الرئيسية والإنجازات التي حققتها نساؤهم، برز في الأخبار حدث يحمل شحنة سياسية، وينطوي على عنف قائم على نوع الجنس.
فقد اضطر نائب وزير التعليم الأساسي في البلاد، مدودوزي مانانا، إلى الاستقالة بعدما قيل عن اعتدائه على امرأتين في نادٍ في جوهانسبرج. وقد انتشرت صور الحادث انتشار النار في الهشيم، ما أثار ضجة واسعة في وسائل التواصل الاجتماعية.
وينبغي أن يتيح الحادث للجنوبيين الإفريقيين وقفة للتفكير. فهو يسلط الضوء على قضايا عميقة متعلقة بالعنف ضدّ المرأة في بلاد لا يزال معظم النساء فيها يعانين الحرمان الشديد، والاستعباد، وبعض أسوأ أنواع العنف القائم على نوع الجنس في العالم.
ولكن لا يبدو أن جميع القيادات النسائية في جنوب إفريقيا تدرك ما ينبغي عمله. خذ ردَّ فعل بانابيل دلاميني، رئيسة الرابطة النسوية في حزب المؤتمر الوطني الحاكم. هُرعت للدفاع عن نائب الوزير، قائلة إن «الهجوم» عليه كان «أداة سياسية». ومضت إلى القول إن زعماء سياسيين آخرين فعلوا أسوأ منه. والرابطة هي أقوى جماعة ضغط نسائية في البلاد.
وليست هذه هي المرة الأولى التي تكون فيها قائدات الرابطة النسوية لحزب المؤتمر الوطني الإفريقي على الجانب الخطأ من التاريخ، بشأن سلسلة من القضايا الحساسة المتعلقة بنوع الجنس، بما في ذلك العنف الجنسي.
وليست القيادات النسائية في المؤتمر الوطني الإفريقي وحيدات في ذلك. فقد خلصت الأبحاث إلى أن النساء كثيراً ما يكُنّ متواطئات بشكل مثير للقلق، في أعمال العنف التي يرتكبها رجالهن.
وتشير الأبحاث أيضاً إلى نخب نسائية تعقد «صفقات أبوية». يقول دينيز كانيوتي، وهو أكاديمي بارز في مجال العلاقات بين الجنسين والسياسة التنموية، إن هذه الاستراتيجية، توفر لهن السلطة والمكانة في مناصبهن، مقابل امتثالهن وتواطئهن في الفضاءات السياسية التي تخضع لهيمنة الذكور.
وهذا القبول للأعراف والقواعد الأبوية من أجل انتزاع ما يمكنهن انتزاعه من السلطة، على الرغم من أنه يُضرّ بهن، يديم الوضع الأبوي الراهن.
والنخب النسوية من أمثال هؤلاء يجب التصدّي لهن وتحميلهن المسؤولية عن دورهن في الحفاظ على قمع المرأة، وتدعيمه.
إن قوى النظام الذكوري عنيدة. وفي حالة جنوب إفريقيا، استمرت لأسباب منها، أنها كانت نتيجة غير مقصودة للنضال من أجل «الصالح الأكبر». وكان معنى ذلك أن النساء بقين صامتات حتى عندما كان الرجال الذين يقودون حزب المؤتمر الوطني الإفريقي يسيئون استخدام سلطتهم.
وعلى الرغم من التزام النساء، وإسهامهن في كفاح الفصل العنصري، لم يُعتبرن أبداً مساويات للرجال في الهياكل الأبوية، والتسلسل الهرمي لحزب المؤتمر الوطني الإفريقي وجناحه المسلح. وكانت المفارقة أن الكفاح من أجل المساواة لم يمتدّ إلى المساواة بين الجنسين، على الرغم من خطاب جنوب إفريقيا غير عنصرية، وغير متحيزة جنسياً.
وكانت النتيجة أن الوعد بمجتمع أكثر مساواة بين الجنسين، واجه صعوبة في التحقق في فترة الانتقال إلى الديمقراطية.
ومما يزيد من تفاقم ظروف جنوب إفريقيا أن هذا البلد يعاني بشدة تاريخاً من الاستعمار والفصل العنصري الذي أرسى دعائم عدم المساواة العرقية وبين الجنسيْن. وتبيِّن الأبحاث أن هذا التاريخ من المرجح أن تكون له آثار طويلة الأمد في المواقف المنحازة بناء على نوع الجنس.
وإضافة إلى ذلك، فإن العنف الهيكلي المنتشر- ومعظمه غير مرئي- يعني أن الظروف لا تزال غير مواتية لنجاح النساء في جنوب إفريقيا. كما أن هذا العنف راسخ في البنى الاجتماعية- السياسية والاقتصادية – ويستمدّ بقاءه من ضروب اللا مساواة في السلطة والامتيازات، العميقة الغور.
وهنالك وسيلة لخلخلة ذلك، ولكنها تقع على عاتق المجتمع المدني لا الحكومة. فقد حقق الناس في جنوب إفريقيا بعض النجاحات المعبرة في المواجهات مع النخب السياسية، وهي تناديهم وتدعوهم إلى التحرك بشأن سلسلة من القضايا.
فالمنظمات المدنية على سبيل المثال، تصدّت بنجاح لاستخدام المال العام لدعم المؤسسات شبه الحكومية مثل شركة اسكوم للكهرباء، والخطوط الجوية في جنوب إفريقيا، وهيئة الإذاعة الجنوب إفريقية. وأدى نشاط المجتمع المدني إلى فقدان شخصيات كبيرة وظائفها، وإلى إجراء تحقيقات في عقود مشكوك فيها.
وفي هذا السياق، فإنّ الضغط العام الذي أدى إلى استقالة مانانا، واعتذاره العلني هو نقطة تحول حاسم في سياسة العنف الجنسي في البلاد. وهو مهمّ جدّاً لأن الثقافة الراسخة في البلاد هي أنه لا السياسيون الفاسدون ولا المارقون يستقيلون أبداً.

*أستاذة مشاركة، ورئيسة قسم الدراسات السياسية والنزاعات في جامعة نلسون مانديلا.
موقع: ذي كنفرسيشن


Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى