غير مصنفة

جائزة لسوء الحسابات

عبد اللطيف الزبيدي

السياسة لعبة، التاريخ، لا. الأحداث عابرة، فلسفة التاريخ قانون ثابت. الوقائع مجرى، فلسفة التاريخ مصبّ. تماماً مثل الفيزياء، تستطيع استخدامها بطرائق شتى، ولكنك لا تقدر على تغيير قوانينها. السياسة الحكيمة هي التي تجعل لعبتها لا تغفل عن هذه القواعد. في إمكان الظلم التغول إلى أبعد مدى، لكنه أعجز من أن يُلغي الحق والعدل.
السياسات الجائرة تتوهم أن في مقدورها تحويل الجرائم المادية والمعنوية إلى قانون تفرضه القوة. يترسخ الوهم عندما ترى أن الظلم «نجح» في الوقوف على جماجم المبادئ والقيم عشرات السنين من دون أن تزلزل الأرض تحت قدميه. أرشيفات الماضي تدعم أوهامه بألف برهان. الإمبراطورية قامت على إبادة الهنود الحمر، وصارت القوة العظمى الأولى، واستمرأت تجارب الدمار في الكثير من البلدان، ولا يزال الحبل على الجرار. اليوم تتراجع. «إسرائيل» أفعى سامّة صغيرة (يسمّيها العرب القدامى أُحيْحة)، قياساً على الولايات المتحدة، ومع ذلك تطمع في ابتلاع أربعمئة مليون عربيّ على أربعة عشر مليون كم مربع، والآن تستهين بمعنوياتهم وقوتهم الروحية الإيمانية، متخيلة أن جنايات سبعين سنة بلا عقاب، إفساح مجال لدوس المقدسات أيضاً. هي ذي الغاصبة وحاميها، يجعلان ذلك العدد العربيّ ملياراً ونصف المليار مسلم. إنها «غلطة الشاطر».
عندما تكون الممارسات السياسية منافية تماماً للقوانين الطبيعية، التي أساسها الحق والعدل، فمآلها المحتوم الإخفاق. انظر إلى فوكوياما كيف ندم على خرافة «نهاية التاريخ». إنه لم يحسب حساباً لنسبية قدرة القوة. تأمّل سوء التقدير لدى «إسرائيل» وحاميها، كيف يقيسان الحق بالمكاييل والأوزان والأحجام والأطوال. حتى في هذا هما مخطئان بحماقة. لو كانا من أهل العقل والنظر البعيد في السياسة، لوضعا ولو على الهامش من بين الاحتمالات: ماذا لو استيقظت مئات الملايين من الذين حكمنا عليهم بالسبات الأبديّ؟ لقد شوهنا صورة عقيدتهم وتعليمهم بفئات مرتزقة، فماذا لو توحّد عشاق الحق والعدل والكرامة وسيادة الأوطان، لمحو وصمة اللامبالاة إزاء النيل من الرموز العليا ذات القداسة؟ فلسفة التاريخ عبقرية في اقتصاد الطاقة، حين يتجاوز الظلم الحدود، تضع غشاوة بسيطة على عيني دماغه فلا يعود يرى الهاوية.
الآن على القياديين الفلسطينيين أن يفركوا أعينهم ويتمطوا، فكل العيون ترمقهم منذ عقود، وهم يتقلبون ذات اليمين وذات الشمال، في نوم المفاوضات والاختصام، فقد أهدى إليهم ترامب أن القضية لم تعد مساومات سلطة، بل قضية إيمان بالحق وحق المقدسات.
لزوم ما يلزم: النتيجة التكريمية: إذا صحا العرب والمسلمون، فعليهم مكافأة ترامب بتمثال. لقد أيقظهم.

abuzzabaed@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى