قضايا ودراسات

حوارية مناعة التاريخ

قال القلم: أريد كلمة واحدة تلخّص الفشل الحتميّ لمحاولة تمزيق الخريطة العربية. قلت: الغباء. قال: وكيف تقول هذا والدول التي زرعت الخليّة المدمّرة، هي قمّة المدنيّة والحضارة علوماً ومعارف وقوّة عسكريّة؟ دعمتها بكل عقل وكل جنون لا أخلاقيّ ولا إنسانيّ، فجعلتها تتوهّم أنها سيّدة العالم، وأن التاريخ مِلك يديها. دع الأوهام وكن واقعيّاً.
قلت: الغباء هو أن تظنّ القوّة أن البلدان فرائس سهلة. هذا الوهم يفضي إلى حسابات تزيّنها الغلبة المشهودة زماناً ومكاناً، ولكنها محدودة في المدى البعيد. لو لم يكن هذا رعونة وعربدة واستهتاراً بفلسفة التاريخ، لاستقرّ في الأذهان أن الحياة كلّها عبث، وأن الكون بُني على باطل. أتعس موقف هو الوقوف في الزاوية الخطأ من التاريخ.
قال: ولكن التاريخ دائماً يصنعه الأقوياء ويُكتب على هواهم. قلت: هذا وهم شائع. قس ذلك على الطبّ، هل يمكن تصوّر أن الفيروسات الخبيثة هي التي تصنع حياة الأحياء؟ قال: خذ الحضارة الغربيّة، لقد أبدعت عالماً من الآداب والفنون والفكر والفلسفة والديمقراطية والنظم الاقتصاديّة والحقوقيّة، وتوسعت في البحث العلميّ من أصغر صغير إلى أكبر كبير، حتى تاريخنا وتراثنا وباطن أرضنا، تعرفها أكثر منّا، فكيف تفسّر سلوكياتها إزاءنا؟ قلت: الآليّة التي تؤدي إلى الهاوية، هي أن العقل يصنع القوّة، والقوّة المفرطة تقع في التهوّر لفرط اعتدادها بأنها قادرة على كل شيء، وهنا منزلق الحسابات الخاطئة التي هي عين الحماقة. بهذه البساطة يؤدّي الذكاء إلى الغباء.
انظر إلى الصين في التاريخ الحديث، لقد أهينت بألف صورة على أساس أنها بذلك لن تنهض، فكيف هي اليوم؟
لماذا حدث للعالم العربيّ كل ما جرى ويجري؟ كل هذه الاستهانة بالشعوب صناعة للتاريخ؟ كيف يُعقل نفي أن تكون للتاريخ مناعة ضدّ النزعات التدميريّة؟ كل حيّ له مناعة، فكيف تكون الحياة كلها بلا مناعة؟ كيف يستقيم في العقل أن تغدو قمّة الحضارة آلة جبّارة مدمّرة؟ أليس هذا برهاناً على أن القمّة فقدت مقوّمات القمّة ولم تعد قيمة ولا قدوة؟ ما نراه هو بداية مظاهر انهيارات جبليّة. سوء حظ العرب أنهم تحت تلك الجبال.
قال: النظام العربيّ أهمل مئات الملايين من العقول والطاقات المعطّلة، وأرضهم ثروات جوفيّة وفوقيّة هائلة. قلت: لأنه محكوم بموازين القوّة التي تحجب عنه رؤية قوى خريطته المهمّشة. هو لا يقرأ جيّداً تاريخ حدود القوّة، لهذا لا يقرأ الحاضر المتحوّل، ولا يستعدّ لعالم الغد.
لزوم ما يلزم: النتيجة التفاؤلية: التاريخ جسم، مناعته فلسفة التاريخ.
عبد اللطيف الزبيدي
abuzzabaed@gmail.comOriginal Article

زر الذهاب إلى الأعلى