قضايا ودراسات

دفاع أوروبي مستقل عن «الأطلسي»

أليكس غوركا

تناقش منذ بعض الوقت في إطار الاتحاد الأوروبي فكرة إنشاء بنية دفاعية أوروبية مستقلة عن حلف الأطلسي. كانت هذه الفكرة موضوع مناقشات؛ لكن لم تتخذ أي خطوات ملموسة لجعلها حقيقة
يبدو أن هذه الفكرة أخذت تتغير الآن بعد أن امتنع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن الإشارة إلى البند الخامس في معاهدة حلف الأطلسي خلال قمة قادة دول الحلف في 25 مايو/ أيار.
والبند الخامس هو بند الدفاع المشترك، وينص على أن أي اعتداء على دولة عضو في الحلف يعد اعتداء على الحلف ككل.
وهذه أول مرة يمتنع فيها رئيس أمريكي عن تأكيد التزام الولايات المتحدة بالأمن الجماعي لدول حلف الأطلسي. وشكل ذلك حافزاً قوياً بالنسبة للأوروبيين، لكي يعملوا من أجل تحويل الكلمات إلى أفعال. وقد حثت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، الأوروبيين بعبارة: أن «نأخذ مصيرنا بأيدينا»، واعتبرت أن الولايات المتحدة لم تعد شريكاً يعول عليه، وشكلت كلمات ميركل نقطة تحول.
وأول ما فعله وزيرا الدفاع الألماني والفرنسي مباشرة عقب قمة الأطلسي في بروكسل، كان إطلاق مبادرة مشتركة من أجل إنشاء قوة أمنية أوروبية. وفي 7 يونيو/ حزيران، اقترحت المفوضية الأوروبية إنشاء صندوق دفاع مشترك جديد من أجل إلغاء اقتطاع مليارات اليورو من النفقات الدفاعية، وتمكين الحكومات من تطوير وشراء العتاد الحربي، مع التركيز على الطائرات، والمروحيات، والطائرات بلا طيار، وأنظمة الحرب الإلكترونية، وأنظمة أسلحة متطورة أخرى. والهدف من المشروع هو تمكين أوروبا من أن تصبح بمفردها قوة عسكرية عالمية في وقت تتعرض علاقاتها مع الولايات المتحدة لضغوط.
وبدأت المفوضية الأوروبية برنامجاً لتأمين 39 مليار يورو (43,8 مليار دولار) بحلول 2027 من أجل دعم التطوير المشترك لقدرات عسكرية. وتأمل المفوضية، اعتماداً على مساهمات دول أعضاء في تأمين 5,5 مليار يورو (6,2 مليار دولار) سنوياً اعتباراً من عام 2020. وقررت المفوضية أن تترك مسألة تحديد القدرات العسكرية التي ينبغي منحها الأولوية للحكومات الوطنية بالمشاركة مع وكالة الدفاع الأوروبية.
وعرضت المفوضية الأوروبية أيضاً على الدول الأعضاء ورقة تتضمن مجموعة مقترحات حول بلورة رؤية سياسية لتطوير التعاون الدفاعي الجديد. وتنص إحدى فقرات هذه المقترحات على إقامة تعاون متبادل بين الدول الأعضاء من أجل الرد على أي هجمات خارجية، وتقاسم تكاليف العتاد والأنظمة العسكرية الباهظة التكاليف، وتحقيق تكامل واندماج بين قوات الدفاع الوطنية.
وتضمنت الورقة اقتراحاً آخر يقضي بإنشاء «قوات جاهزة بشكل دائم» من أجل انتشار سريع «بالنيابة عن الاتحاد الأوروبي»، وكذلك إنشاء قوة حدودية أوروبية، وقوة خفر سواحل، وجهاز استخبارات مشترك يعتمد على أقمار صناعية وأنظمة محمولة جواً توجه عن بعد.
وكل هذه الإجراءات ستمكن الاتحاد الأوروبي من القيام بعمليات عسكرية في بيئات معادية. ويعمل الاتحاد الأوروبي حالياً على إنشاء مقار قيادة عسكرية من أجل استخدام مجموعات قتالية في الخارج. وهذه المجموعات القتالية ستكون قوات دفاع مشترك جاهزة لرد سريع على أزمات تحدث في أي مكان من العالم.
وقد بدأ تشكيل هذه المجموعات القتالية منذ 2007؛ ولكنها لم تنشر أبداً؛ بسبب اعتبارات سياسية ومالية. وفي 2013، وضع القادة الأوروبيون خططاً لإرسال مجموعة قتالية إلى جمهورية إفريقيا الوسطى؛ بهدف احتواء حرب أهلية كانت في بدايتها، لكن بريطانيا عارضت الفكرة بقوة، فتم التخلي عنها؛ لكن سيتم إحياء مثل هذه الخطط عندما تتولى إستونيا الرئاسة الدورية لمجلس الاتحاد الأوروبي اعتباراً من الأول من يوليو/ تموز.
وفي الواقع، القرارات الجديدة للمفوضية الأوروبية تنسجم مع «الاستراتيجية العالمية لسياسة خارجية وأمنية للاتحاد الأوروبي» التي تم تبنيها العام الماضي إثر الاستفتاء البريطاني على «بريكسيت»، الذي سيؤدي إلى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ما يمهد لتطبيق مفهوم الدفاع الأوروبي المشترك.
والغاية من كل ذلك واضحة؛ حيث يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يطور قدراته العسكرية الخاصة التي تمكنه من تنفيذ عمليات عسكرية دون الأمريكيين. وتخصيص موارد عسكرية من أجل قوة أوروبية مستقلة سيضعف حلف الأطلسي؛ لكن فكرة الدفاع الأوروبي المستقل عن الولايات المتحدة تتخذ الآن زخماً أكبر.

محلل دفاعي ودبلوماسي – موقع «استراتيجيك كلتشر»


Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى