غير مصنفة

رسالة العرب الغاضبة

مفتاح شعيب

وجه الاجتماع العربي الطارئ على مستوى وزراء الخارجية رسالة قوية إلى الإدارة الأمريكية تضمنت غضباً مشروعاً ورفضاً قاطعاً لقرار الرئيس دونالد ترامب الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لـ «إسرائيل»، كما أكد بعبارات واضحة أن الولايات المتحدة أصبحت في مواجهة جميع العرب في «معركة ممتدة ومتدرجة في التصعيد» مثلما لوّح الأمين العام للجامعة أحمد أبو الغيط.
قد يكون الاجتماع الأخير واحداً من المناسبات القليلة التي تعالى فيها العرب على خلافاتهم وتبايناتهم واجتمعوا على كلمة واحدة عنوانها القدس عربية، وهي العاصمة المنتظرة للدولة الفلسطينية . وهذا الموقف نابع من شعور عميق بالمرارة التي أحدثتها الإدارة الأمريكية بقرارها المتهور، كما أنه موقف يستشعر بشدة خطورة التداعيات الكارثية على الأمن والاستقرار في المنطقة، كما يحمل إشارات جدية على إنهاء الدور الأمريكي في القضية الفلسطينية وفي مجمل الشرق الأوسط، لأن من يتحمل المسؤولية في البيت الأبيض اليوم لم يراع قرارات الأمم المتحدة ومواثيق القانون الدولي، وقامر بالمصالح الأمريكية بناء على علاقاتها التاريخية مع العالم العربي، وهو ما بوأها لتكون الراعي الأول لعملية السلام بين الفلسطينيين و«إسرائيل»، أملاً بأن تلعب دورها كدولة عظمى في تحقيق الأمن والسلم في العالم. ولكن بإجراء كذاك الذي اتخذه ترامب، ستخسر الولايات المتحدة تلك المكانة التي بنتها وسعت إلى الحفاظ عليها على مدى عقود. وحين يقول الفلسطينيون والعرب إنهم سينفضون أيديهم من الدور الأمريكي ويتجهون إلى البحث عن شريك وراع جديد للسلام، فهم واعون بما يفكرون، لأن الضربة الأمريكية في القدس لم تكن هينة على الإطلاق، ولا دواء منها غير التراجع عنها والعمل فعلياً على إنصاف الشعب الفلسطيني وردع الاحتلال «الإسرائيلي» وممارساته بقوة الشرعية الدولية ووجاهة الحقوق التاريخية للفلسطينيين.
ربما كانت الإدارة الأمريكية تراهن على أن إصدار هذا القرار المثير للجدل سيصيب العرب بالصدمة ويجعلهم غير قادرين على رد الفعل، ولكن رهانها تبين أنه خاسر مثلما خسرت رهانات أخرى. ولو تحلت هذه الإدارة بالحكمة والتبصر لكان عليها أن تخشى من ردات الفعل المختلفة. ولن يكون الفلسطينيون والعرب والمسلمون وحدهم في هذا التحدي، بل انضمت إلى أصواتهم القوى الدولية المسؤولة والجماعات المدافعة عن حقوق الشعوب المقهورة. وفي هذا المقام لا يمكن إلا التنويه بمواقف الدول ذات العضوية في مجلس الأمن، حتى من أقرب حلفاء الولايات المتحدة، مثل بريطانيا وفرنسا ودول الاتحاد الأوروبي، التي رفضت قرار ترامب واعتبرته خطوة غير حصيفة، وفي توقيت سيئ وغير محسوب. وبعد معاناة الشعب الفلسطيني الطويلة، أصبحت كل دول العالم تقريباً تتضامن معه وتشعر بالخجل لأنها لم تستطع أن تساعده على تحقيق أهدافه. ولم تعدم الولايات المتحدة نفسها مثل هذه الأصوات، فقد هاجم مسؤولون سابقون الإدارة الحالية، واتهموها بالعمل ضد المصالح الأمريكية العليا لمجرد الانسياق وراء مزاج شخص وليس لقرار مؤسسات دولة عريقة تدعي أنها سيدة العالم الحر.
في هذه اللحظة التاريخية، يؤمل أن يكون ما صدر من مواقف عربية هو أول ردود الفعل وليس آخرها، فهذه الأمة بيدها أن تفعل الكثير لو اجتمعت على كلمة واحدة، فالقدس على مدار تاريخها كانت رمز الوحدة وعنوانها، ومصيرها مرتبط بعقيدة وإرث وقداسة لا تستطيع أي قوة في الأرض أن تطمسها. وبناء على ذلك يأتي الاطمئنان النسبي إلى أن مخطط تهويد القدس لن يحقق هدفه، طالما أن هناك من يقاوم ويعارض بالطرق المشروعة.

chouaibmeftah@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى