قضايا ودراسات

رقابة ألعاب الأطفال

أحوال الرقابة العربية على المصنفات الفنية والفكرية تثير العجب، خاصة عندما ينبري قلم الرقيب الأسود للتشطيب على صورة واحدة مخلة بالآداب في إحدى المجلات، بينما يتناسى أنها بدأت تتسلل إلى أطفالنا عبر الكثير من الألعاب، التي تتضمن صوراً لدمى أقل ما يمكن القول عنها إنها فاضحة، وفي السينما تتصدى لمشهد في فيلم قد يحتوي على ألفاظ خارجة أو إيحاءات غير مقبولة، في حين تبقى مشاهد العنف مهما بالغت وتجنت بعيدة عن الرقابة في السينما والكتاب وألعاب الأطفال الإلكترونية، وهنا بيت القصيد، فهذه يبدو أنها بعيدة كل البعد عن الرقابة الواعية؛ لأنها في الكثير منها تحرض على العنف، وتدعو إلى الأفكار المتطرفة، وتحبذ العلاقات غير الشرعية، والشاذة، وغيرها الكثير من المصائب..
كل السلوكيات السابقة مرفوضة جملة وتفصيلاً، ويجب أن تقاوم ليس بالرقابة الرسمية فقط؛ لكن بالموقف والرفض المجتمعي والأسري لكل ما يخالف عادات المجتمع وتقاليده ومعتقدات أهله ومبادئهم، فهي سلوكيات سلبية معيقة ومحبطة ومدمرة لجزء مهم من قوة الشعب وتوجهه نحو بناء بلده، وبقاء الأمم مرهون ببقاء أخلاقها، وهذه حقيقة لا جدال فيها، حتى أنهم يقولون إن الأدب مفضل على العلم، والإنسان قليل المعرفة كثير الأخلاق، خير وأشرف وأبقى من كثير المعرفة عديم الأخلاق.
بعض الألعاب الإلكترونية حربية تضج بمشاهد العنف والقتل والتدمير والتفجير، كلها سهلة المنال أمام الطفل، يمارسها بعنفوان وتيه وافتخار؛ بسبب عدد الذين أرداهم قتلى أو فجر في حشدهم عبوة ناسفة، هذه الشخصية، المنتصر، البطل، لا بد أن يتقمصها كطفل في حياته، فيمارس العنف ضد كل من يخالفه الرأي والموقف، حتى بات بعض الأطفال يضربون أمهاتهم وآباءهم إذا لم يلبوا أوامرهم وطلباتهم وما يريدون حتى لو كان لبن العصفور، أو ما هو غير عملي ولا منطقي، وعملية الضرب هذه تكون نتيجة حتمية للدلال المفرط للطفل من قبل والديه وإخوته من جهة، وللأفكار العدوانية التي تشبع بها من خلال الألعاب الإلكترونية من جهة أخرى.
كثيرة هي الألعاب الإلكترونية، التي تقع بين أيادي الأطفال، تؤسس في تكوينهم الفكري خطر العقائد الإرهابية المتطرفة، المنحرفة، وباتت والحال هكذا أخطر من الجيوش التي تغزو لتحقق أهدافاً معلنة، فالغزو الفكري غير المعلن الأهداف، والموجه صوب الأطفال قبل اليافعين، يستهدف تدميرهم نفسياً وبدنياً، وتحويلهم من قوى بناء وطنية، إلى معاول هدم لا تسمح بتقدم بلدهم خطوة واحدة نحو الأمام.
دعونا لا نتشاطر في تحديد الطرف المسؤول، فالأطفال أمانة، وكل من في المجتمع يعد مسؤولاً عن حمايتهم من كل المخاطر المتربصة بهم، مباشرة كانت أو مستترة في ألعاب عادية وإلكترونية، أو في قصة ورسمة وأغنية، في درس بالكتاب أو قصص خيال وهمية يرويها جاهل أو جاهلة للأطفال، فهؤلاء ضعفاء لا حول لهم ولا قوة، وحقهم علينا أن نكون جميعاً حولهم، ولا أحد خارج نطاق المسؤولية.
هشام صافيOriginal Article

زر الذهاب إلى الأعلى