قضايا ودراسات

روسيا «أنجزت المهمة» في سوريا

ستيفن روزنبيرغ *

عندما أطلقت روسيا عمليتها العسكرية في سوريا عام 2015، توقع الرئيس الأمريكي آنذاك باراك أوباما أن «روسيا سوف تغوص في مستنقع»، في حين حذر وزير دفاعه آشتون كارتر من أن عملية روسيا «محكومة بالفشل». وبعد سنتين، يبدو أن روسيا أثبتت خطأ هذه التوقعات المشؤومة.
خلال زيارة مفاجئة قا م بها الرئيس الروسي إلى سوريا في 11 ديسمبر/كانون الأول، قال فلاديمير بوتين لقواته إنهم قاتلوا «بشكل رائع» ويمكنهم «العودة إلى الوطن منتصرين». وأمر بوتين بسحب القسم الأكبر من القوات الروسية في سوريا.
فهل يعني ذلك أن روسيا أنجزت المهمة ؟. يبدو ذلك. فهذه المهمة كانت، حسبما أعلن بوتين على الملأ في سبتمبر/أيلول 2015، محاربة «الإرهاب الدولي». وبالفعل، مني تنظيم «داعش» بالهزيمة في سوريا.
ولكن الحملة العسكرية الروسية كان لها هدف آخر، هو إبقاء حليفها الرئيس بشار الأسد في السلطة. وقد تحقق ذلك. وحيث إن الدعم العسكري الروسي لدمشق غير الوقائع على الأرض لصالح الأسد، فقد ضعفت إمكانية تغيير النظام في سوريا.
وكانت الولايات المتحدة وحلفاؤها يطالبون بتنحي الأسد كشرط للسلام، ولكنهم الآن لم يعودوا يطالبون بذلك. والأسد يدين ببقائه السياسي لروسيا، وهذا يعطي موسكو نفوذاً كبيراً في سوريا. وسيحتفظ الروس بقاعدتين عسكريتين في شمال غرب سوريا: حميميم قرب اللاذقية وقاعدة بحرية في طرطوس.
غير أن دور روسيا في الشرق الأوسط ليس محدوداً بسوريا. إذ إن روسيا خرجت من هذه الحرب وقد أصبحت لاعباً رئيسياً في المنطقة. فهي:
* تتفاوض مع مصر لكي تسمح للطائرات العسكرية الروسية باستخدام المجال الجوي المصري وقواعد في مصر.
* تتفاوض مع تركيا لبيعها أنظمة صواريخ «اس – 400» أرض – جو المتطورة.
* تسعى لتحسين علاقاتها مع السعودية.
وعبر الشرق الأوسط، تقود الدبلوماسية الروسية حملة من أجل التوصل إلى تسوية سياسية في سوريا.
وتعزيز الدور الروسي في الشرق الأوسط يتناقض مع مشكلة صورة أمريكا في المنطقة. إذ إن اعتراف الرئيس دونالد ترامب بالقدس عاصمة ل ««إسرائيل»» أثار غضب العالم العربي ويمكن أن يقضي على دور أمريكا كوسيط إقليمي.
والحملة العسكرية الروسية في سوريا لها أيضا نتائج عالمية. فعندما ضمت روسيا شبه جزيرة القرم في 2014، واجهت عزلة دولية. ولكن عمليتها في سوريا أنهت هذه العزلة، حيث اضطر القادة الغربيون -سواء كانوا راضين أم لا- إلى الجلوس حول طاولة المفاوضات مع القادة الروس لإجراء محادثات حول سوريا.
والأمر الحاسم هو أن «المستنقع» الذي توقعته واشنطن لروسيا في سوريا لم يتحقق. وعندما بدأت روسيا عمليتها العسكرية في سوريا عام 2015، تخوف كثيرون من الروس من أن تصبح سوريا بمثابة أفغانستان جديدة لبلدهم. وقد منيت روسيا بخسائر بشرية في النزاع السوري، ولكن مع إعلان الكرملين الانتصار وسحب معظم القوات الروسية من سوريا، لم تعد سوريا تبدو وكأنها مستنقع أفغاني لروسيا وبوتين.
وعقب إعلان بوتين عن الانتصار في سوريا، اعتبرت صحيفة «كومسومولسكايا برافدا» المؤيدة للكرملين والأكثر انتشاراً في روسيا أن النزاع السوري عزز قوة الجيش الروسي. وقالت الصحيفة: «عشرات آلاف الضباط اكتسبوا تجربة ثمينة في خط جبهة. والحرب على الإرهابيين كانت اختباراً، ليس فقط لشعبنا، وإنما أيضا لترسانة أسلحتنا. لقد اختبرنا عشرات من الأسلحة. ونتيجة لذلك، أخذت الطلبات الخارجية لشراء أسلحة روسية تتزايد بسرعة».
وبينما يستعد زعيم الكرملين لإعادة انتخابه رئيساً في غضون ثلاثة أشهر، فإن المرشح بوتين سيستخدم على الأرجح شعار «المهمة أنجزت» لدعم شعبيته أثناء الحملة الانتخابية. وتوقيت زيارة سوريا – قبل أقل من أسبوع من إعلان ترشحه للرئاسة – يبدو جزءاً من حملته الانتخابية.
( يذكر أن شعار «المهمة أنجزت» ظهر لأول مرة عندما عقد الرئيس الأمريكي جورج بوش مؤتمراً صحفياً بعد أيام قلائل من الغزو الأمريكي – البريطاني للعراق عام 2003، وكان مكتوباً بخط عريض على لوحة كبيرة وبادياً للعيان بينما كان بوش يتحدث للصحفيين. ولكن تلك «المهمة» استمرت سنين عديدة من دون أن تحقق ما أراده بوش ).

*صحفي بريطاني ومراسل محطة ال «بي بي سي» في موسكو – موقع المحطة


Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى