قضايا ودراسات

سداد الدين بمثله أم بقيمته؟

د. عارف الشيخ

من المعلوم أن النقود الورقية اليوم هي المتداولة بين الناس وليست النقود الذهبية والفضية، ورغم اختلاف الفقهاء في ثمنيّة النقود الورقية إلى ثلاثة مذاهب؛ فإن المذهب الراجح هو الذي عليه أغلبية العلماء المعاصرين وهو أن النقود الورقية تأخذ حكم الذهب والفضة لأنها أصبحت بديلاً عنهما فتأخذ صفة الثمنيّة.
– وحجّة أهل هذا المذهب أن النقود الورقية أصبحت ثمناً للمبيعات وتقوم مقام الذهب والفضة في التعامل بها في كل الدول الإسلامية وغير الإسلامية فيها يتم البيع والشراء، ومنها تصرف الرواتب والمكافآت وغيرها من الحقوق والالتزامات.
– والعرف العام يقتضي أن تكون هذه الأوراق هي بديل الذهب والفضة، وللإمام مالك قول جميل في العرف وهو: «لو أن الناس أجازوا بينهم الجلود حتى يكون لها سكة وعين لكرهتها أن تباع بالذهب والورق نظرة». (انظر أسهل المدارك للكشتناوي ج١ ص ٣٧٠، وكتاب الورق النقدي لابن منيع، والمدونة للإمام مالك ج ٣ ص ٩٠ – ٩١)
– وهذه النقود الورقية التي أخذت حكم الذهب والفضة إذا أقرضت فإنها عند سدادها إذا نقصت أو زادت قيمتها للعلماء فيها أقوال:
١- الحنفية والشافعية والحنابلة وبعض المالكية، قالوا بأن الدين يسدد بمثله من غير زيادة ولا نقصان لأن الزيادة أو النقصان تعد ربا في نظر الشرع.
٢- وذهب أبو يوسف من الحنفية إلى أن الدين يسدد بالقيمة، فعند السداد ينظر هل زادت القيمة أم نقصت؟ فإذا زادت وجب رد المبلغ بسعر يوم السداد، وإذا نقصت فإنه كذلك.
ويبني أبو يوسف ذلك على قاعدة أنه في البيع تجب القيمة يوم انعقاده، وفي القرض تجب القيمة يوم قبضته، (انظر تنبيه الرقود على مسائل النقود لابن عابدين ج ٢ ص ٥٩).
٣- ذهب بعض آخر من المالكية إلى أن الأمر فيه تفصيل، فإذا كانت الفلوس تغيرت تغيراً يسيراً رد المفترض المثل، وإذا كانت قد تغيرت تغيراً فاحشاً ردّ القيمة مراعاة للمصلحة لكي لا يتضرر المُقرض (انظر حاشية الرهوني ج ٥ ص ١٢٠).
وذهب الدكتور علي السالوس من العلماء المعاصرين، إلى أن الدين ينبغي أن يؤدى بمثله لا بقيمته في حالة الغلاء والرخص عملاً بالسنة المطهرة مثل قوله صلى الله عليه وسلم: «الذهب بالذهب والفضة بالفضة… مثلاً بمثل سواء بسواء يداً بيد، وإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كانت يداً بيد». رواه مسلم.
فهذا الحديث دليل واضح على أن الديون تُؤدّى بمثلها لا بقيمتها، وعند تعذر المثل تُؤدّى بما يقوم مقامه وهو سعر الصرف يوم الأداء لا يوم ثبوت الدين، (انظر بحث تغير قيمة العملة للدكتور علي السالوس مقدم منه لمجمع الفقه الإسلامي في الدورة الخامسة لعام ١٩٨٨).
وقد أخذ مجمع الفقه الإسلامي في دورته الخامسة المنعقدة في الكويت عام ١٩٨٨ بهذا القول، على اعتبار أن العبرة في وفاء الديون بأمثالها لا بقيمتها. وإنني أرى أن قول بعض المالكية الذين قالوا : إذا تغيرت الفلوس تغيراً فاحشاً رد المقترض القيمة وليس المثل، قول صحيح ووجهة نظرهم أقرب إلى الواقع، إذ إن المقرض ما ذنبه حتى يخسر هذه الخسارة الفاحشة؟.

زر الذهاب إلى الأعلى