غير مصنفة

سياسة أمريكية جديدة في سوريا

باتريك كوكبيرن*

نادراً ما كانت الولايات المتحدة تعلن عن تبني سياسة خارجية مهمة تتناقض مع الوقائع، كما يحدث الآن مع إعلانها عن إبقاء قوة عسكرية دائمة في شمال سوريا.
في منتصف يناير/ كانون الثاني، أعلن وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون بشكل مفاجئ أن قوة عسكرية أمريكية ستبقى في سوريا بعد هزيمة «داعش». وقد كان واضحاً أن أهداف هذا التواجد العسكري طموحة جداً، إذ تشمل تحقيق الاستقرار في سوريا، والتخلص من الرئيس بشار الأسد، والقضاء على النفوذ الإيراني، ومنع عودة ظهور «داعش»، وإنهاء الحرب السورية المستمرة منذ سبع سنوات.
وقد بدا أن تيلرسون لم يأخذ بعين الاعتبار أن هذه السياسة الأمريكية الجديدة سوف تواجه بمعارضة كثيرين من اللاعبين الأقوياء داخل وحول سوريا، وأن هذه السياسة تتناقض مع تأكيدات سابقة متكررة للولايات المتحدة بأنها تقاتل في سوريا من أجل هدف واحد فقط، هو ضرب «داعش».
وفي الواقع، إعلان تيلرسون يعني أن الولايات المتحدة تخلت عن سياسة عدم التورط مباشرة في المستنقع السوري وقررت الانخراط في واحدة من أكثر الحروب الأهلية تعقيداً في التاريخ.
وأول علامة على هذا التطور الجذري كانت إعلان الولايات المتحدة أنها سوف تدرب قوة حدودية محلية قوامها 30 ألف عنصر – ستكون كردية في الغالب. وهذا ما جعل تركيا تندد بغضب بهذا القرار.
وفي الواقع، هذه السياسة الأمريكية متفجرة، ولهذا السبب تحركت دبابات تركية بعد خمسة أيام فقط من الإعلان عن هذه السياسة (في 17 يناير/ كانون الثاني) لتعبر الحدود إلى داخل سوريا وتهاجم المعقل الكردي في عفرين.
ومنطقة عفرين ومحيطها كانت من الجيوب القليلة في سوريا التي لم تدمرها الحرب. ولكن هذا تغير بسرعة مع القصف الجوي والمدفعي التركي لعفرين وحوالي 350 قرية في محيطها. وتحاول القوة الكردية «وحدات حماية الشعب» التصدي للقوات التركية، ولكن إذا لم يتم إيجاد حل دبلوماسي ما، فإن هذه المنطقة ستتحول إلى أنقاض على غرار معظم مناطق سوريا.
وهذا القتال يبين وهم آمال واشنطن بأن سياستها الجديدة ستحقق الاستقرار في شمال سوريا. فهذه السياسة لن تضعف بشار الأسد وحليفته إيران، كما أنها ستظهر للأكراد أنهم بحاجة إلى قوة غير الولايات المتحدة لضمان حمايتهم. وفي الواقع، طلب الأكراد من الجيش السوري مساعدتهم في الدفاع عن عفرين.
يضاف إلى ذلك أن مواجهة في سوريا بين تركيا والولايات المتحدة ستكون في مصلحة دمشق وطهران.
وتفجر حرب جديدة بين تركيا والأكراد كان ينبغي أن يكون متوقعاً بالنسبة للولايات المتحدة – التي تدخلت مباشرة في سوريا في 2014 لمنع «داعش» من السيطرة على مدينة عين العرب. وذلك التدخل الأمريكي الناجح كان بداية تحالف بين الولايات المتحدة و«وحدات حماية الشعب» الكردية. وهذا التطور أثار شعوراً بالخطر لدى تركيا، التي رأت أن هناك دولة كردية بالأمر الواقع تظهر على حدودها.
وكانت الولايات المتحدة قد سعت إلى تطمين تركيا إلى أن تحالفها مع الأكراد السوريين هو تحالف عسكري فقط وموجه حصرياً ضد «داعش». ولكن إذا بقي ال 2000 جندي أمريكي بصورة دائمة في المنطقة الخاضعة لسيطرة الأكراد في شمال سوريا، فإن هذا يغير ميزان القوى العسكرية في المنطقة. وبنظر تركيا، هذا يعني ضمانة عسكرية أمريكية لدولة كردية مستقلة بالأمر الواقع في شمال وشرق سوريا. ولكن كلتا الحكومتين السورية والتركية لن تقبل ذلك.
وهذه السياسة الأمريكية الجديدة تنطوي على أهداف بعيدة المدى، ولكن من الصعب رؤية كيف يمكن تنفيذها. وإعلان تيلرسون يعكس تفكيراً من قبيل التمني أكثر مما يعكس سياسة واقعية. فالولايات المتحدة تريد التخلص من الأسد وإضعاف إيران عبر المنطقة، ولكن الواقع مختلف تماماً.
والهجوم العسكري التركي الحالي يظهر أن تركيا لن تسمح بقيام دولة كردية بالأمر الواقع تحت حماية أمريكية في شمال سوريا. وتركيا سوف تقاتل للحيلولة دون ذلك.

*صحفي إيرلندي خبير في شؤون الشرق الأوسط – موقع «أونز ريفيو»


Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى