قضايا ودراسات

صاحب «النخلة والجيران»

د. حسن مدن

في السيرة الأدبية للروائي العراقي المرحوم غائب طعمة فرمان صاحب «النخلة والجيران» و«خمسة أصوات» و«آلام السيد معروف» و«المرتجى والمؤجل» وغيرها يوجد مفصل زمني غير معروف لدى الكثيرين من قرّاء ومحبي هذا الكاتب الكبير، هو علاقته الشخصية بنجيب محفوظ.
وبالنظر إلى أن فرمان عاش الجزء الأكبر من حياته في موسكو التي توفي ودفن فيها، فإن الأنظار تتجه حين يجري الحديث عن حياته وسيرته الأدبية نحو إقامته المديدة هناك، ما مكّنه من إتقان اللغة الروسية، التي ترجم روائع من الأدب المكتوب بها إلى اللغة العربية، مع أنه كتب عن مدينته بغداد كأنه لم يبارحها أبداً. لكن ما لم يحظ بتسليط الضوء الكافي هو أن غائب طعمة فرمان، في مطالع شبابه، درس في القاهرة، التي أقام فيها ست سنوات متواصلة، وهو يذكر أنه منذ أن كان طالباً في السنة الأولى بكلية الآداب بجامعة القاهرة، وكان ذلك في عام 1948، يحمل كتبه الجامعية ويذهب إلى الندوة الأسبوعية لنجيب محفوظ التي لم يكن عدد من يحضرها من المثقفين والكتاب يتجاوز الستة أو السبعة، كان أصغرهم سناً، فاستعذب مجلسه، الذي كان يُطرح ويُناقش فيه معظم ما يصدر آنذاك، ويُفرز ما هو سطحي أو للاستهلاك اليومي ودغدغة عواطف الجمهور، وما هو جاد مُصّور للواقع المعاش.
وحين سئل فرمان عن علاقته بمحفوظ قال إنه إذا تجاوز بعض الشيء بوسعه القول إنه كان صديق صباه، ومن غير المعقول ألا يكون قد تأثر به وهو في مرحلة التلقي والاستيعاب.
لم يقل في ماذا تحديداً أثّر نجيب محفوظ في كتابته لاحقاً، لكنه يرى أن اللحظة الوجدانية التي ينغمر فيها الكاتب أو يجد نفسه مسوقاً إليها لحظة الكتابة، وخصّ الرواية بالذكر، هي التي تتحكم بما في النص الروائي من شاعرية ورهافة وإيقاع وتشابك أو استعارة من الأجناس الفنية الأخرى.
ومن تجربة كُتاب كثيرين نعلم أن لحظة الكتابة الإبداعية هي تلك التي يكون فيها الكاتب على تخوم الوعي واللاوعي، ما يتطلب درجة أو مساحة من الانفصال عن «حرفية» الواقع، وتحفيز المخيلة، أما صاحب «النخلة والجيران» فلا يرى أن الكاتب يكتب بلا وعي محمولاً على أجنحة وحي وهمي، فهو إنما يكتب بكامل وعيه، لكنه يستدرك بالقول إن ذلك لا ينفي وجود لحظات لديه من التجلي أو الإضاءات التي يجد الروائي نفسه في غمارها، وهي، في تقديره، أعلى ما يمكن أن يصل إليه الكاتب من درجات الوعي، فتأتي اللغة الشعرية في رواية ما أكثر من غيرها بذلك النسق الداخلي في نسيجها.

madanbahrain@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى