قضايا ودراسات

عدم المساواة ليس قدراً محتوماً

سام بيزيغاتي

تعاونت منظمتان عالميتان في ابتداع معيار هو الأول من نوعه، لقياس مساعي دول العالم، المبذولة لتضييق فجوة اللامساواة في مجتمعاتها.
قبل عامين، اتفقت جميع دول العالم تقريباً، على جعل الحدّ من عدم المساواة- أي الفجوة بين الأغنياء والفقراء- هدفاً رئيسياً من أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة.
وتلك بادرة نبيلة، ولكن مؤسسات الأمم المتحدة تبدي بوادر نبيلة طوال الوقت. وتجري في بعض الأحيان ترجمة هذه اللفتات إلى تقدم حقيقي، ولكنها في أحيان أكثر، لا تزيد على إطلاق الدخان، للتعتيم على ضآلة التقدم الذي تحرزه الحكومات على صعيد الواقع.
كيف يمكن أن نعرف إذا كانت دولة ما، لا تفعل سوى إطلاق الدخان وذرّ الرماد في العيون؟ الناس في جميع أنحاء العالم يحتاجون بوضوح إلى معيار يحدد تلك الدول، مقياس عالمي يستطيع أن يساعد المواطنين العاديين على مساءلة حكوماتهم عن كل خطاباتها النبيلة. في موضوع عدم المساواة، بات ذلك المعيار موجوداً.
فقد تعاونت منظمة «اوكسفام»، (المنظمة الخيرية العالمية الناشطة)، مع مجموعة الاستشارات المالية الدولية، في إماطة اللثام عن أول التزام على الإطلاق بمؤشر للحدّ من اللامساواة. «وهو تصنيف عالمي للحكومات بناءً على ما تقوم بفعله لمعالجة الفجوة بين الأغنياء والفقراء».
فنحن نعرف بالفعل، كما يقول الباحثون في «اوكسفام» ومجموعة الاستشارات المالية الدولية، ما ينبغي على الحكومات أن تفعله للحد من الفجوة بين الأغنياء والفقراء. ولدينا «أدلة واسعة الانتشار» على أن «الأفعال الإيجابية القوية من قِبل الحكومات» في ثلاثة مجالات معينة من شأنها أن تضيق تلك الفجوة.
فما هذه المجالات الثلاثة؟
يبدأ التقدم ضد المساواة بإنفاق اجتماعي كبير على التعليم، والصحة والخدمات العامة الأخرى. ولتمويل هذه الخدمات- والحفاظ على السلطة من التركز- تقوم الدول الجادة في الحدّ من اللامساواة، بفرض ضريبة على أغنيائها والشركات التي يديرونها.
ويتطلب الحدّ من اللامساواة التزاماً كبيراً مساوياً لضمان كون الناس العاملين يملكون سلطة مساوية كافية، في كل من مكان العمل والعملية السياسية، للمطالبة وتحصيل أجور كريمة وأمن اقتصادي.
ويقيس المؤشر الجديد للالتزام بالحد من عدم المساواة، التقدم في هذه المجالات الثلاثة ل152 دولة في العالم، تتوفر لديها بيانات كافية. والدول التي جمعت بيانات قليلة متعلقة بالموضوع، كما تشير «اوكسفام» ومجموعة الاستشارات المالية الدولية، لم تبْد التزاماً كبيراً بالحد من عدم المساواة.
كما لم تفعل ذلك بعض الدول التي تملك تلك البيانات بالفعل.
فمَن المتقاعس بين الدول الغنية في العالم؟ لا جدال في ذلك: إنها الولايات المتحدة. «أغنى دولة في تاريخ العالم»- كما تصفها منظمة «اوكسفام» وزميلتها. يوجد لديها أعلى مستوى من عدم المساواة بين الدول الصناعية الرئيسية في العالم. والحكومة الأمريكية تدع تلك اللامساواة تتفاقم- في كل مضمار رئيسي.
ولكن «اوكسفام» ومجموعة الاستشارات المالية الدولية تبذلان جهداً كبيراً؛ لتجنب إزعاج الولايات المتحدة. فتؤكدان أنه «لا توجد دولة تبلي بلاء حسناً بوجه خاص» في الكفاح ضد اللامساواة. فحتى الدول الاسكندنافية التي تحتل المرتبة العليا على المؤشر الجديد «لديها مجال للتحسن».
والعديد من الدول، التي تحتل مراتب الدول الأكثر مساواة في العالم حالياً، كما تقول «اوكسفام» وزميلتها، «تتاجر بأمجاد غابرة». فالدانمارك، على سبيل المثال، تسجل درجة جيدة بشأن التقدم في فرض الضرائب، والإنفاق الاجتماعي وحماية العمال. ولكن الحكومات الدانماركية الأخيرة، ركزت على عكس هذه المجالات الثلاثة.
والأغنياء ومشاريعهم- «في الدول الغنية والفقيرة على حدّ سواء»- يمكن أن يدفعوا «ضرائب أكثر بكثير»، كما تضيف «اوكسفام»، ما يوفر إيرادات من شأنها أن تستخدم للاستثمار في إجراءات من المؤكد أنها ستحدّ من عدم المساواة.
«وبوجه عام»، كما تضيف الدراسة الجديدة، «فإن ثلثي البلدان ال152 في المؤشر، تجمع إجمالاً أقل من ربع الضريبة التي يمكن أن تجمعها».
والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن،هو: إلى أي مدى يمكن وينبغي للعالم أن يكون أكثر مساواة؟ يستخدم باحثو «اوكسفام» ومجموعة الاستشارات المالية الدولية «نسبة بالما» سهلة الفهم؛ لقياس مستويات عدم المساواة. وتقارن هذه النسبة الحصة من الدخل القومي التي تذهب إلى العشرة في المئة العليا في المجتمع، مع الحصة التي تذهب إلى الأربعين في المئة في قعر المجتمع.
وعندما تكون نسبة بالما 5، فإن هذا يعني أن أعلى 10% يحصلون على خمسة أضعاف الدخل الذي يحصل عليه ال40% في قعر المجتمع. ويجب على جميع الدول، أن يكون هدفها جعل تلك النسبة لا تزيد على 1. كما تقول «اوكسفام».
ولا يلبي هذا المعيارَ حالياً، إلاّ حفنة من الدول. علماً بأن جميع الدول، قادرة على أن تفعل. وليس على حكوماتها إلاّ أن تتخذ خيارات سياسية مختلفة.
وبعبارة أخرى، كما يقول الباحث ماكس لوسون من «اوكسفام»، فإن عدم المساواة ليس قدراً محتوماً.

زميل في معهد دراسات السياسة.
موقع: آي بي اس


Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى