قضايا ودراسات

عقوبات تنتهك القانون الدولي

أليكس غوركا*

العقوبات الاقتصادية هي أداة إكراه تستخدم من أجل دفع دولة إلى الرضوخ لرغبات دولة أخرى.
الولايات المتحدة هي الدولة التي تفرض أكثر عقوبات اقتصادية في العالم. وهي عملياً الدولة الوحيدة التي تفرض عقوبات من طرف واحد، كما أنها بالتأكيد الدولة الوحيدة التي تفعل ذلك بانتظام. والولايات المتحدة فرضت عقوبات أكثر مما فرضته جميع الدول والكيانات الأخرى في العالم.
وتعتبر الولايات المتحدة هذه القيود وسيلة منخفضة الكلفة لتنفيذ أهداف سياستها الخارجية، بالرغم من واقع أن هذه الإجراءات تؤثر في جماهير الشعوب. كما أن هذه السياسة تخرب العلاقات الدولية، وحتى تعطي عكس النتائج المرجوة من حيث إنها تكلف الولايات المتحدة ذاتها وظائف ضائعة وفرصاً تجارية.
وقد تعرضت سياسة العقوبات الأمريكية لانتقادات قاسية في الأمم المتحدة. وفي 18 أكتوبر/ تشرين الأول، تحدث مقرر الأمم المتحدة الخاص لمجلس حقوق الإنسان إدريس الجزائري أمام الجمعية العامة، فقال إن «إلحاق ضرر باقتصاد دولة من خلال عقوبات يؤدي عادة إلى انتهاك حقوق الناس العاديين. والعقوبات تسبب خراباً بالنسبة لأي دولة، ويمكن أن يكون لها تأثير مدمر جداً على مواطني دول نامية نتيجة لتعطيلها الاقتصاد». وعبر الجزائري عن القلق بشأن تلك العقوبات التي يمتد تأثيرها الضار إلى خارج أراضي الدولة المستهدفة، وقال إن «العقوبات التي تطال أطرافاً غير معنية بالنزاع هي عقوبات غير مشروعة».
وفي إبريل/ نيسان، كتب الجزائري تقريراً حول زيارة قام بها إلى روسيا، الخاضعة لعقوبات غربية، فقال إن العقوبات لم تحقق تأثيرها المرغوب، بل هي ألحقت ضرراً بدول أخرى غير معنية.. ومن الواضح أن العقوبات لم تغير موقف روسيا، ولكنها بدلاً من ذلك تسببت بخسائر اقتصادية للمنتجين الزراعيين في كلا الاتحاد الأوروبي وروسيا. وأضاف: من الضروري إجراء حوار ومفاوضات جدية من أجل حل مسائل سياسية، من دون التسبب بأضرار للمزارعين.
ودعا الجزائري الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى تبني «إعلان حول حكم القانون والإجراءات القسرية من طرف واحد، من أجل تحديد مبادئ مشتركة بشأن استخدام العقوبات والقانون الدولي».
وفي سبتمبر/ أيلول، رفع الجزائري تقريراً ثانياً حث فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان على إعادة تأكيد «حق الضحايا في تعويض حقيقي، بما في ذلك تعويض مالي، في جميع الأوضاع التي تتأثر فيها حقوق الإنسان بإجراءات قسرية من طرف واحد».
وأظهرت دراسة جديدة للمعهد النمساوي للأبحاث الاقتصادية أن عقوبات الاتحاد الأوروبي الاقتصادية على روسيا، التي فرضت قبل ثلاث سنوات، كلفت بلداناً أوروبية مليارات اليورو. وقد أجريت الدراسة بناء على طلب البرلمان الأوروبي، ونشرت في 6 أكتوبر/ تشرين الأول، وأظهرت أن الاتحاد الأوروبي خسر 30 مليار يورو نتيجة لهذه العقوبات.
والعقوبات من طرف واحد أخذت تصبح أقل فأقل فاعلية في اقتصاد العولمة. والولايات المتحدة فرضت الكثير من مختلف أنواع العقوبات على روسيا، ولكن هناك دول عديدة أخرى مستعدة لتعزيز التعاون الاقتصادي مع روسيا. ويعتبر زعماء أوروبيون وزعماء العديد من الدول الأخرى في العالم أن العقوبات الاقتصادية تأتي بنتائج عكسية، وهم يؤيدون فرض عقوبات فقط في حالات استثنائية، مثل الحرب. وفي يوليو/ تموز، قالت وزارة الخارجية الفرنسية إن العقوبات الأمريكية الجديدة ضد روسيا وإيران تبدو مناقضة للقانون الدولي بسبب تطبيقها خارج الحدود الوطنية.
ومن وجهة نظر قانونية، وحده مجلس الأمن الدولي له الحق في فرض عقوبات ضد دولة. أما الإجراءات القسرية من طرف واحد فهي تنتهك نص وروح ميثاق الأمم المتحدة.
والأمم المتحدة تقوم على مبدأ المساواة بين جميع دولها الأعضاء. ويحق لدولة أن تلجأ إلى فرض عقوبات من أجل الدفاع عن النفس، ولكن روسيا لم تهاجم الولايات المتحدة. ولهذا فإن الولايات المتحدة تدمر نزاهة المنظمات الدولية، وكذلك الاتفاقيات التي هي طرف فيها.

*محلل دفاعي ودبلوماسي – موقع «استراتيجيك كلتشر»

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى