غير مصنفة

«فؤادة» السينما والغناء

مارلين سلوم

البعض يسميها «معبودة الجماهير»، وهي كذلك. والبعض يحب أن يسميها «فؤادة»، وفي هذا الاسم إنصاف أكبر لها. شادية، فنانة ليست عادية، تبدو سهلة، رقيقة، لا تحب الصخب، ولفت الأنظار. ابتعدت بهدوء عن الفن تاركة كل المجد والشهرة خلفها، طاوية صفحة من عمرها، لكن حب الجمهور لم ينطوِ، ولم يتراجع، أو ينطفئ.
ملامحها الرقيقة، صوتها الحنون المغلف بدلال طفولي، ابتسامتها، أشياء كثيرة توحي بأن قدراتها الفنية «رقيقة» أيضاً، لا تصلح إلا للأفلام الكوميدية، والغنائية، والرومانسية الجميلة، والناعمة. بينما هي في الحقيقة امرأة قوية الشخصية والإرادة، صاحبة موهبة في التمثيل أقوى من موهبتها في الغناء.
كانت تعرف قدراتها جيداً، وتعرف ما تريد، بدليل أنها رفضت أن تغني في عدد من الأفلام، لتثبت للجميع أنها «ممثلة» تملك الكثير، وقادرة على المنافسة في أفلام تراجيدية، وأداء شخصيات مركبة صعبة. وقد فازت في رهانها هذا، حيث انتقلت من مرحلة فنية إلى أخرى، ولم تعد تلك الفتاة، والمرأة الجميلة الظريفة، بل أصبحت «فؤادة» التي ترفض الزواج من عتريس في «شيء من الخوف»، أحد أهم وأجمل الأفلام المصرية، إخراج حسين كمال، وتأليف ثروت أباظة، وحوار عبد الرحمن الأبنودي.
شادية، التي ندعو لها بالشفاء، جسدت عنفوان المرأة، مثلت أدوار الإغراء، وفتاة الليل كما يجب أن يكون الأداء، بلا ابتذال، أو سقوط في فخ المبالغة. راقية في كل شيء، أمسكت بمفاتيح الشخصيات كلها في أكثر من 120 فيلماً، ولم تدّع يوماً أنها «نجمة»، أو تصِبها سهام الغرور. ورغم إحساسها العالي بالغناء، وتميز صوتها، وعشق الناس لأغانيها، إلا أنها دعت الجمهور للتمعن في الرسالة التي تقدمها بكل إخلاص، وحب، وإتقان، تمثيلاً فقط، فأحبها الجمهور أكثر فأكثر، ونسي أنها وقفت أمامه في فيلم طويل من دون أن تغني ولو أغنية واحدة. حتى اليوم، حين تشاهد أياً من هذه الأفلام، مثل «شيء من الخوف» أو «ميرامار»، و«مراتي مدير عام»، وبعده «كرامة زوجتي» اللذين ناقشت فيهما، ولو بشيء من الطرافة والكوميديا، قضيتي الخيانة، وحق المرأة في تحقيق ذاتها، وتولي منصب أعلى من منصب زوجها، ومدى تقبّله، وتقبّل المجتمع للأمر.. في مثل هذه الأعمال تشعر بأن صوت شادية المطربة حاضر في ذهنك، بينما هو في الواقع غائب.
«السهل الممتنع» ينطبق على أسلوب وأداء هذه النجمة الرقيقة. لا تشبه أحداً، ولم تقلد أحداً. هي أيضاً أحد رموز الفن العربي العريق، لها لونها الخاص، تقف بجانب العمالقة الكبار الذين أثروا الفن بموهبتهم وبذكائهم، فتحملوا مسؤولية تقديم الأفضل للجمهور، وعدم استغلاله والاستخفاف به، بل كانت تمعن، وتدقق قبل الموافقة على أيّ عمل، كما شاركت في إنتاج بعض الأفلام أيضاً. هي «فؤادة» التي أحبها الفلاحون، وأهل المدينة، والمثقفون.. المرأة التي دافعت عن حقوقها، ووقفت في وجه الطاغية، يوم كان الفنان يتحمل مسؤولية المساهمة في بناء مجتمعه، وتوعية وتثقيف شعبه، أو جمهوره.

marlynsalloum@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى